أوجاع الكلمة

00:20 صباحا
قراءة دقيقتين

 

هل يمكن أن يكون للكلمة أوجاعها؟ المفترض أن الكلمة هي مجرد «حامل» للوجع، بمعنى أنها الوسيلة التي يمكن أن نصفه بها، سواء كان وجعنا نحن أنفسنا، أو وجع آخرين، والكلمة هي وسيلة الناس، كل الناس وبدون استثناء، في التعبير عن أنفسهم ومشاعرهم المختلفة، الفرحة والموجعة، بصرف النظر عن درجة تعليمهم ومهاراتهم في التعبير؛ بل إن بوسع حتى من لا يحسن الكتابة والقراءة أن يكون أكثر عمقاً وبلاغة في التعبير من بعض المتعلمين، لكن تظل اللغة هي العدة الأساس للكاتب للتعبير عن أفكاره ومشاعره.
إذاً كيف يمكن أن يكون للكلمة أوجاعها، وهي مجرد أداة تعبير، تؤدي بالإنابة عنا وظيفة القول، فنحن نختار من مفرداتها ما يلائم الحال التي نريد وصفها، وفي اللغات كلها، وإن بدرجات متفاوتة، مخزون هائل من المفردات يسمح بالتعبير عن مختلف الحالات والأفكار؟ كاتب اسمه جورتفيلد أصدر في عشرينات القرن الماضي كتاباً أسماه «أوجاع الكلمة»، لفت أنظارنا إلى كتابه مكسيم جوركي، وفيه يخلص إلى أن هناك مشاعر وأفكاراً عصية على الوصف، لا يمكن للغة وصفها. «باردة، بائسة وشحيحة هي اللغة»، هذا ما ينقله جوركي عن أحد الشعراء، لكن شاعراً آخر يرى أنه «ليس في العالم ألم أقوى من ألم الكلمة».
العبارة الأخيرة بالذات تصادف هوى أكبر في نفوسنا، فاللغة نفسها التي يمكن أن تفرحنا، أو حتى تطربنا حين نسمعها مغناة، فتنساب كالماء الزلال في أرواحنا، يمكن لها، وإن يكن بمفردات أخرى من مخزونها الذي قلنا إنه هائل، أن تبكينا، حين يصف قائلها وجعاً من الأوجاع، أو ذكرى حزينة، حتى لو لم نكن هناك حين وقع الحدث الذي بات ذكرى، لكن حين يعيد أحدهم حكاية ما جرى مستعيناً بالكلمات، أساساً، فهي عدة الوصف، حتى لو اقترنت بتعابير حزينة في وجه الحاكي، أو دموع على وشك أن تنهمر من عينيه.
أما لماذا نقول عن اللغة إنها عدة الوصف الأساس، فذلك لأنه بوسعنا أن نقرأ لكاتب من الكتاب وصفاً لمشهد حزين يحزننا، أو حتى يوجع قلوبنا. نحن، في هذه الحال، أمام الورق وحده، ما من وجه لأحد يحكي حتى نلحظ تعابير وجهه أو لمعان عينيه من شدة الأسى. نحن فقط نقرأ ولا نرى وجوهاً قبالتنا، وما نقرأه قد لا يعدو كونه مشهداً متخيلاً اجترحته مخيلة الكاتب، لكن أليس الكاتب الماهر هو ذاك الذي يجعلنا نصدق أن المتخيل ليس وهماً، إنما هو واقع أو حقيقة؟
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"