نظرة إلى الفنون كبضائع

00:17 صباحا
قراءة دقيقتين

 

ما هي مسؤولية الشعوب في حركة الفنون؟ منطقيّاً، المبدعون لا يبدعون لأنفسهم، بالتالي يجب أن يكون للجمهور المتلقي رأي في الإنتاج، إن لم يتسنّ الدور التوجيهي. الجانب الاقتصادي حاضر وفاعل. إذا كان غير لائق الحديث عن بضاعة إبداعية، فإن المَشاهد التي لا يمكن نكرانها أو التخلص منها ولو بعدم وضعها في الحسبان، من بينها العرض والطلب، الإقبال أو الإعراض، التنافسية، مستوى التسويق، جودة المواصفات، إلى غير ذلك. ثمة فوارق بين الأعمال السينمائية في عدد تذاكر الشباك، بين الكتب في أرقام الطبع والمبيعات، في الموسيقى أعداد التوزيع، الأقراص المدمجة أو النسخ الرقمية.
ندخل الآن المنطقة الصعبة من المقارنات. لا ينصرفنّ ذهن جنابك إلى مقولة أفلاطون: «إذا أردت السيطرة على شعب، فعليك بالسيطرة على موسيقاه». لا، فليس هذا محور البحث هنا. إنما، إذا كان في الإمكان النظر إلى الفنون من زاوية «سوقيّة»، كما لو كانت بضائع معروضة في الأسواق، فمن الضروري عدم إهمال ما يترتب على ذلك. مثلاً: المعلّبات والوجبات السريعة تراقبها أقسام الرقابة الغذائية حتى لا يرتفع منسوب أضرارها وآفاتها إلى ما لا تحمد عقباه. هل يتوهم القارئ أن غثاء السيل في الإنتاج الفنيّ لا يحتاج إلى مثل تلك العناية بسلامة الذوق العامّ؟ الأغاني والمسلسلات، إلاّ النادر، مكوّناتها والعياذ بالله، وسلقها أو قليها حماك الله، وملوّناتها ونكهاتها وملحها وسكّرها الأبيضان، في الوجبات فرائض واجبات.
 أمّا القليل من البروتينات في المحتوى، فأهل الغش أعلم بمأتاه: قصص بوليسية نكرة... ألا ترى أن جلّ مضامين المسلسلات لا تربطه صلة لا بالمجتمعات العربية ولا بالقيم الموروثة، ولا بالمطامح والآمال: إذا رأيت شخصاً مغرّزاً فساعده بالحفر تحته! الإعلام، النقد الفنيّ بخاصة، ليس على باطل حين يتعفّف عن تشريح الأعمال الهابطة، وفحص عيّناتها تحت مجهر التحليل. من حقه القول: إنّي أرتكب جناية حين أسلط على الهبوط الأضواء. لكن أين دور الجمهور ووعيه؟ لا يظهر ذلك لا على صعيد الآفات الذوقية ولا الأضرار الغذائية.
 الطريف هو أن الرقابة الغذائية تستطيع وضع اليد على المأكولات الفاسدة وإغلاق محالها، فهل تقدر الرقابة الفنية التي لم يعد لها أثر، على اتخاذ إجراءات مماثلة؟ 
لزوم ما يلزم: النتيجة التلاعبيّة: صار الإعلان أهمّ من الإعلام، والسعر أهمّ من القيمة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"