الديمقراطية في خطر

00:16 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. عبدالله السويجي

هل الديمقراطية والأنظمة الديمقراطية باتت في خطر؟ سؤال قد يجيب عليه مواطنو هذه الدول بالنفي، لأن الديمقراطية خيارهم، فهي توفّر لهم أسلوب حياة معيناً، وهامشاً كبيراً من الشفافية وحرية التعبير، إضافة إلى الحريات الأخرى الفردية والجماعية، فضلاً عن المؤسسات الاجتماعية التي رسّختها الديمقراطية. 

 لكن المسألة لا تتعلق فقط بالمواطنين، وإنما بنظام الحكم المستند إلى الرأسمالية وعجلة الإنتاج والديون والمداخيل وحركة دوران الاقتصاد. وليس لهذا السؤال علاقة مباشرة بما حدث في الولايات المتحدة مع نهاية الأسبوع الماضي، الذي شهد اقتحام متظاهرين شديدي التأييد للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمبنى الكونجرس، وبعض السياسيين اتهموا الرئيس بتشجيع المتظاهرين، لكن للسؤال بالطبع علاقة مباشرة بالولايات المتحدة، بصفتها متزعمة للديمقراطية في العالم، وصاحبة أكبر اقتصاد وأضخم قوة عسكرية في العالم، ما يعني أن أي تهديد للديمقراطية سينعكس على العالم في مستوى الفوضى الأمنية، إضافة إلى الارتباك الذي سيصيب المنظومة الأخلاقية والقانونية والعدالة الاجتماعية.

 موقع «روسيا اليوم» نشر مقالاً جدلياً في السادس من هذا الشهر بقلم الكاتب ألكسندرنازاروف، حمل عنوان: «هذه ليست مزحة أو سخرية.. الديكتاتورية هي الميزة التنافسية الوحيدة والرائعة للعرب..»، وبقدر ما يحمل من طرافة وتهكّم ضمني وداخلي، إلا أنه ينطوي على توجّه لا بأس به من الجدّية، فهو لا يتحدث عن العرب إلا كنتيجة «مريبة»، بعد استعراض تناول فيه المعسكر الغربي الرأسمالي.

 ولو نُشر هذا المقال في حقبة الاتحاد السوفييتي لقلنا إنه يأتي ضمن الدعاية المضادة للرأسمالية. يقول كاتب المقال إن الأزمة الاقتصادية الراهنة هي أزمة فائض إنتاج عملاقة، فهناك الكثير من إنتاج السلع في العالم، والطلب عليها مدعوم بهرم ائتماني يتنامى بسرعة. «وبما أنه من المستحيل تراكم الديون إلى الأبد، فإن انهيار هذا النظام سيحدث في السنوات القليلة المقبلة، ونحن نشهد بالفعل عجزاً هائلاً في موازنات البلدان المتقدمة، وطباعة تريليونات الدولارات واليورو والين غير المغطاة بالبضائع، هذه هي المرحلة الأخيرة من حياة النظام، وبعدها ستواجه كل دول العالم، من دون استثناء، انخفاضاً حاداً في مستويات المعيشة، والخيار ما بين الثورة والفوضى أو الديكتاتورية..».

 وهكذا يربط بين مستوى الازدهار الاقتصادي والديمقراطية، ومن دونه ستنتقل الدول الديمقراطية إلى الدكتاتورية كبديل عن الفوضى. أما بالنسبة للدول العربية، وهذا هو الجانب الطريف في المقال، «فإنها ستتأقلم سريعاً مع الدكتاتورية! وستصبح دولاً تنافسية بعد ذلك..».

الولايات المتحدة ليست الوحيدة التي تتعرض ديمقراطيتها الآن لأزمات كما تعرّضت قبل شهور لاحتجاجات عنيفة من قبل السود، سبقتها فرنسا من خلال الاضطرابات والاحتجاجات ما قبل الأخيرة التي قام بها أصحاب «السترات الصفراء»، واتسمت بالعنف وحرق الممتلكات الخاصة والعامة، وهما الدولتان الأكثر دفاعاً عن الديمقراطية.

 إن الخطر الذي تتعرض له الديمقراطية في قلاعها لا يكمن فقط في الماكينة الاقتصادية، وإنما في القيم المجتمعية، كالتمييز العنصري، وفي إساءة استخدام قيمة حرية التعبير، إضافة إلى العدالة الاجتماعية، خاصة مع زيادة نسبة الفقراء وتراجع الطبقة الوسطى.

 إن مواجهة النبوءة أو التوقّع الذي أطلقه المحلل الروسي، الذي لا يخلو من (أمنيات)، بالنسبة للعرب، هو عدم الاطمئنان لما جاء في المقالة، وبالالتفات إلى تقوية القطاعات الصناعية والزراعية على وجه الخصوص، مع تعزيز الشفافية وتطبيق القانون وتحقيق شيء من العدالة الاجتماعية وتشجيع استخدام تكنولوجيا المعلومات لمحاربة الفساد، والتركيز على التعليم النوعي، وتحقيق نسبة من الاكتفاء الذاتي، فبهذه الطريقة لا يكون العرب مرآة تنعكس فيها أزمات العالم السياسية والاقتصادية.

 وأخيراً، على العرب بعث المنظومة الأخلاقية وتعزيزها في السلوك والمناهج والتعامل اليومي، وكذلك الانتماء الوطني الحقيقي، وهذا الأخير يلخّص ما نطالب به، فقد تغيب شمس الديمقراطية عن الغرب وتبزغ في الشرق.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"