كتب تدرّب قلبك على الحنين

00:07 صباحا
قراءة دقيقتين

 

إذا لم تكن تعرف القاهرة أو زرتها في السبعينات والثمانينات من القرن العشرين، فاقرأ «مقتنيات وسط البلد = وجوه وحكايات من وسط القاهرة» للكاتب الحياتي الإنساني مكاوي سعيد «دار الشروق - الطبعة الأولى ٢٠١٠»، ومن باب جمالية هذا الكتاب وعذوبته السردية فقد نشرت دار الشروق طبعة ثانية له في عام الصدور نفسه ٢٠١٠، وفي العام ٢٠١٧ نشرت الدار طبعة ثالثة للكتاب.
هل يمكن أن يكون الأدب مادة توثيقية للمدن وناسها وشوارعها ومطاعمها وفنادقها وأماكنها التاريخية والشعبية والثقافية؟؟.. مكاوي سعيد فعل ذلك. حوّل الكتابة عن الأماكن وأشخاصها اليوميين النهاريين والليليين إلى توثيق وتسجيل حيّ لتاريخ الإنسان والمكان في وقت واحد.
نستطيع على سبيل المثال أن نعرف الأماكن الثقافية في القاهرة ليس في السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن العشرين، بل سنتعرّف إلى المكان الثقافي القاهري في النصف الأول من القرن العشرين، زمن الأبيض والأسود في السينما والصحافة والحب «إمّا أسود، وإمّا أبيض..».
كتابة أدبية توثيقية من هذا النوع، وبقلم شعبي إنساني شفاف مثل قلم مكاوي سعيد ١٩٥٦-٢٠١٧ لا تعيدنا إلى المكان الماضوي الحميم فقط، بل، وتدرّب وجداناتنا أيضاً على الحنين، وبلا حنين، تصدأ روح الإنسان، ويتبلّد قلبه، ولم يعد يعنيه شيئاً مطلقاً من ماضي حياته وماضي أمكنته: طفولته وشبابه بشكل خاص.
مَنْ مِنَ المصريين وحتى من العرب الذين عاشوا في أم الدنيا لا يحنّ إلى دار الأدباء في ١٠٤ شارع قصر العيني في مقابل مجلس الشورى..
ويواصل مكاوي سعيد.. «..كانت في الأصل منزلاً لعبدالرحمن باشا فهمي أحد زعماء ثورة ١٩١٩، وكانت بها المطبعة السرية للثورة..».
أما إتيليه القاهرة فقد تأسس في ١٤ مارس عام ١٩٥٣، وتأسس اتحاد نقاد السينما المصريين في ١٤ يونيو ١٩٧٢، وتكوّنت جماعة السينما الجديدة في القاهرة في العام ١٩٦٨، كما تأسست جمعية محبي الفنون الجميلة في شارع أحمد باشا في جاردن سيتي في عام ١٩٢٤، وتأسس المركز الكاثوليكي المصري للسينما في شارع عدلي في العام ١٩٤٩.
هذا غيض من فيض معلوماتي بالتواريخ وعناوين الشوارع والميادين والفلل والشقق التي تأسست فيها كيانات سينمائية وفنية وثقافية في العشرينات والثلاثينات والأربعينات من النصف الأول من القرن العشرين في القاهرة.
..ومرة ثانية.. الحنين..
..يحنّ السينمائي إلى صالات عرض أفلام الأبيض والأسود، ويحنّ الشاعر إلى المراكز الثقافية التي كانت تنظم الندوات والأمسيات الأدبية.
ويحنّ الروائي إلى دور النشر في زمن الصناعة الأولية للكتاب، ويحنّ الموسيقي إلى دور الأوبرا، كما لو أن كتاب «مقتنيات وسط البلد» برمّته هو تدريب شعري على الحنين.
اقرأ بعض الكتب عن الأماكن والناس لتحمي قلبك من الجفاف.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"