التنقيب عن جذور الشحوب

00:11 صباحا
قراءة دقيقتين

 

لماذا يظهر الشحوب على وجه المريض؟ لا تتسرع في الجواب، ولا تتوهم أنه من توضيح الواضحات، فحتى جون أكسلسون، عالم الأحياء في جامعة استوكهولم، لا علم له بالسبب الحقيقي. معقول؟ مسألة بسيطة في ظاهرها كهذه، تجعل أطباء العالم كله، ومعهم فطاحل البيولوجيا، يضربون كفاً على كف، مرددين مع عادل إمام: «دحنا اتهزّأنا بقى».
طرافة العلوم مفعمة بالسخرية. من العجائب أن يدرس الطالب سبع سنوات في كلية الطب، أو في علم الأحياء والوراثة، ثم يرى عند دخول الحياة العملية أنه لا يعرف بالضبط علة أهم مظهر من أعراض المرض. البحث الحقيقي الأقرب إلى معرفة السبب، يقع خارج الفحوص السريرية. التطويحات العلمية تُكسب العلوم إمتاعاً ومؤانسة بلا نظير.
بداية التشويق تتمثل في أن الشحوب لا يدل على هبوط في مستوى الكاروتينات، التي تعطي الوجه سيما العافية وألق السلامة، وهي صبغات عضوية صفراء، برتقالية وحمراء (في الجزر، الطماطم). إذا كانت نسبة الكاروتينات لم تنخفض، ومفعولها لم يندثر، فما السبب القاهر الذي يُخفي أثرها ويطفئ توقدها؟ 
يرى بعض الأطباء والبيولوجيين أن الشحوب ينجم عن مكافحة الجسم للمرض؛ إذ يلجأ إلى تضييق الأوعية الدموية لكي يحافظ على حرارة الجسم، خشية أن تؤدي الحمى إلى فقدان كميات كبيرة من حرارة البدن. تلقائياً يُفضي تضيّق الأوعية إلى تغير لون الجلد؛ لأن كمية الدم التي تصل إلى السطح تصير قليلة، فيظهر الشحوب.
هنا ينبري البحث العلمي ليعلن أن اقتناعه ليس كاملاً. هذا لا يعني أن تلك المعطيات العلمية لا تقوم على أساس، ولكنها غير كافية لاكتمال الصورة، ما يلخصه الدكتور جون أكسلسون في نوع من اللاأدرية: «إننا لا نعرف السبب على وجه التحديد» (مجلة «العلم والحياة» الفرنسية 13 يناير). الشطحات بعيدة جداً، فقد تعود الأسباب إلى مراحل تطورية، من قبيل بضع مئات من ألوف السنين، في العصور الغابرة. 
بفضل الشحوب يتسنى التعرف إلى ظهور المرض على الشخص، وبالتالي «العناية به»، صغار السن خاصة، كما أن الشحوب يشكل جرس إنذار لأخذ الحيطة والحذر خشية الإصابة بالعدوى.
لزوم ما يلزم: النتيجة الشفافية: في تلك الأزمنة الغابرة لم تكن بنات حواء يعرفن فنون «الميكآب»، جاءت الحضارات بمستحضرات التجميل، ووضعت الشحوب في الظل.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"