مخاطر العودة إلى المجهول

01:01 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. محمد السعيد إدريس

يوماً بعد يوم يؤكد الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، أنه «لن يرحل عن السلطة بهدوء»، وأن بمقدوره أن يبقى رقماً صعباً في معادلة السياسة والحكم في الولايات المتحدة. 

فعلى الرغم من وجود يقين قوي عند معظم أقطاب الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه ترامب، فضلاً عن المنافسين الديمقراطيين؛ بل عند المواطن الأمريكي بأن ترامب مسؤول مسؤولية أساسية عن الاجتياح الدامي غير المسبوق لمبنى «الكابيتول هيل»، فإن أحداً ليس باستطاعته أن يجزم بأن كل الترتيبات التي تجري داخل الكونجرس، الآن، ستؤدي في النهاية إلى محاكمة هذا الرئيس قبل انتهاء ولايته، أو أنها يمكن أن تؤدي إلى القضاء على ظاهرة ترامب السياسية، أو أن تُنهي مستقبله السياسي؛ لأسباب كثيرة.

يأتي في مقدمة هذه الأسباب أن سيناريو عزل الرئيس قبل انتهاء ولايته  وذلك بتفعيل التعديل الخامس والعشرين للدستور  يعتمد بصفة أساسية على موافقة مايك بنس نائب الرئيس على القيام بهذه المهمة، لكن  بنس لم يفعل ذلك، خصوصاً بعد لقائه الأول مع الرئيس ترامب يوم الاثنين الفائت. قبل هذا اللقاء كانت هناك تخمينات تراهن على إمكانية قبول بنس بالقيام بدور «المخلص» من ظاهرة ترامب، في ظل التوتر الحاد الحاصل بينهما، بسبب عدم قيام بنس بما أراد ترامب أن يقوم به، في جلسة تصويت الكونجرس، لمنع اعتماد نتائج «المجمع الانتخابي» لفوز بايدن بالرئاسة.

لم يفعلها مايك بنس؛ بل اعتمد النتائج، وأعلن فوز بايدن؛ الأمر الذي فاقم العلاقة بين الرجلين، وعلى الرغم من ذلك التقيا وأجريا «محادثات جيدة»، وتعهدا بالعمل لمصلحة الولايات المتحدة «حتى نهاية ولايتهما»، ما يعني أن بنس قد طوى نهائياً صفحة تردده، وقرر الانحياز إلى ترامب ورفض خيار عزله.

 السبب الثاني الذي يؤكد بقاء ترامب حتى نهاية ولايته، أن السيناريو الثاني الذي عكف الديمقراطيون داخل مجلس النواب الأمريكي على إقراره، وهو «محاكمة الرئيس برلمانياً»، بات هو الآخر مؤجلاً، فضلاً عن صعوبته، إن لم يكن استحالة تحقيقه، لرفضه من جانب معظم الجمهوريين داخل مجلس الشيوخ. 

فسيناريو المحاكمة، وفق المذكرة التي جرى اعتمادها داخل مجلس النواب، سيناريو مؤجل وفقاً لقراءة ميتش مكونيل زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، الذي بيده التصويت على قبول أو رفض المحاكمة، والذي مرر مذكرة إلى رفاقه من الجمهوريين تشير إلى أن «محاكمة ترامب لن تبدأ حتى خروجه من السلطة». فالمجلس في إجازة حتى 19 يناير/كانون الثاني، أي قبل يوم واحد من موعد تنصيب الرئيس الجديد، كما أن إقرار مشروع المحاكمة بحاجة إلى موافقة ثلثي مجلس الشيوخ؛ أي أن الديمقراطيين بحاجة إلى دعم 17 عضواً جمهورياً في مجلس الشيوخ، وهذا أمر يصعب تأكيده. هناك سبب ثالث لا يقل أهمية، وهو أن الرئيس الأمريكي المنتخب، يُعطي كل الأولوية الآن، لتوحيد الأمريكيين وليس إلى تفريقهم، وأنه وفقاً لمتحدث باسم فريقه الانتقالي، يركز على الاستعداد لتسلم السلطة ويترك للكونجرس ومايك بنس، نائب الرئيس ترامب، والحكومة، «التصرف بالشكل الذي يرونه مناسباً» في مسألة الرئيس، والتعديل ال25 للدستور. كما أن بايدن أعلن في خطاب له، أن «تركيزه منصب الآن على احتواء جائحة «كوفيد  19»، وضمان تسريع وتيرة برنامج التطعيم ودعم الاقتصاد».

أما السبب الرابع الذي يمكن أن يكون ضاغطاً على المشرعين الجمهوريين في مجلسي الكونجرس، وعلى الرئيس المنتخب بايدن، أيضاً، فهو التحسب لردود الفعل الغاضبة، وربما المتطرفة، لمؤيدي ترامب من المنظمات اليمينية، في ظل معلومات لدى الأجهزة الأمنية ترجح حدوث أعمال شغب في واشنطن وعواصم الولايات يوم تنصيب بايدن، لتعكير صفو هذه المناسبة. 

زعماء الجمهوريين حريصون على عدم استفزاز ترامب ومؤيديه، ويخشون من أن يؤدي إقرار لائحة المحاكمة إلى تفجير البلاد من الداخل، ولذلك طلب مشرعون جمهوريون، حسب وكالة «بلومبيرج»، من الرئيس بايدن أن يقوم بإقناع نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب بالتراجع عن مساعي عزل ترامب، وحذّر هؤلاء، وعلى رأسهم النائب كين ماك، في رسالة إلى بايدن، من أن «مساءلة ترامب ستؤجج مؤيديه، وتضر بجهود بايدن لتوحيد البلاد».

لهذه الأسباب سيبقى ترامب على رأس السلطة إلى حين تولي بايدن، وهذا يعني أن «الخطر سيبقى قائماً»، وأن ما سيحدث بعد الانتهاء من ترتيبات انتقال السلطة سيبقى مجهولاً، وأن الولايات المتحدة ستبقى أسيرة المجهول، في ظل عجز النظام الأمريكي ومؤسساته، عن إنهاء «ظاهرة ترامب» التي ربما تتحول من رئيس متمرد إلى قوة سياسية رافضة للنظام وعازمة على الانتقام، وفق تأكيدات ترامب نفسه، بأن «من صوتوا له سيكون لهم دور في المستقبل».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"