عادي

الابتزاز الإلكتروني.. عصابات تتخفى وراء فتاة جميلة

00:56 صباحا
قراءة 7 دقائق
1

تحقيق: أمير السني

سجلت محاكم الدولة خلال الفترة الأخيرة عدداً من قضايا الابتزاز الإلكتروني تتعلق بعصابات تضم رجالاً ونساء معظمهم من دول إفريقية وآسيوية ينفذون عمليات إجرامية عن طريق وضع صور للفتيات على وسائل التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني، وإيهام الضحية بأن المتحدث فتاة ترغب بالتعرف عليه، وبعد أخذ وجذب في الحديث يتعرفان على بعضهما.. ويذهب الشاب أو الرجل للقاء «صديقته» على موقع التواصل، بهدف التعرف عليها أكثر وعن قرب.. يتجه الضحية نحو عنوان سكن الفتاة، فتستقبله امرأة هي بالقطع ليست فتاته التي تحدث معها في وسائل التواصل الاجتماعي. 

قبل أن يجلس الضحية يباغته أفراد العصابة باعتداء ثم يسرقون ممتلكاته من هاتف محمول وبطاقات ائتمان بنكية ثم يجردونه من ملابسه ويلتقطون له صوراً عارية ومخلّة، ويحتجزونه إلى أن يتمكنوا من سحب المبالغ المالية بواسطة بطاقته الائتمانية، ثم يُخلون سبيله بعد تهديده وابتزازه بنشر صوره العارية والمخلّة على أرقام التواصل في هاتفه وتطبيقات التواصل الاجتماعي في حال قام بالإبلاغ عن الواقعة إلى الشرطة.
«الخليج» التقت مختصين في القانون والعلوم الاجتماعية للوقوف على أسباب وقائع الابتزاز الإلكتروني وتحليلها، وصولاً إلى كيفية أخذ الحيطة والحذر حتى لا يقع الشاب أو الفتاة في مصيدة العصابات الإلكترونية خاصة بعد توسع شبكة الانترنت وتمكنها من توفير كل ما يريده الإنسان لإشباع رغباته.
واجهة العصابة 
يقول محمد المرزوقي المحامي إن الابتزاز الإلكتروني، أحد أكبر المشكلات التي يتعرض لها مستخدمو الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي الذين ليسوا على دراية بكيفية حماية خصوصية معلوماتهم، وأشار إلى أن الإيقاع بالضحايا يتم عبر عدد كبير من التطبيقات مثل ( واتس أب – فيسبوك – سناب شات – البريد الالكتروني – سكايب وغيرها) للحصول على المعلومات الخاصة بالضحايا.
وتبدأ العملية عبر تكوين علاقة صداقة مع الضحية، والتواصل معه عبر برامج المحادثة المرئية، ثم تأتي المرحلة الخطرة وهي عندما يقوم المبتز باستدراج الضحية وتسجيل مقاطع صوتية أو فيديو مسيء وفاضح له، وفي المرحلة النهائية يقوم المُبتز بتهديد الضحية بنشر المحتوى الفاضح أو المعلومات السرية إن لم يحصل على مبلغ مالي من الضحية.
وفي أغلب الأحوال يكون من يتواصل مع الضحية، مجرد واجهة لعصابة كبيرة ومتشعبة تضم رجالاً ونساءً يخططون وينفذون للابتزاز الإلكتروني وبعد الإيقاع بالضحية والحصول على المال أو الاستغلال الجنسي أو الضغط على الشخص وإجباره على القيام بفعل ما أو الامتناع عنه تحت التهديد بفضح ما تم الحصول عليه من قبل العصابة من معلومات سريّة أو صور ومقاطع فيديو خاصة بالضحية مما يجبره على الانصياع للتهديدات خوفاً من الفضيحة، ويبدأ في تقديم التنازلات. 
وهناك طريقة أخرى للابتزاز تتم عن طريق إرسال روابط وهمية ضمن محادثات وسائل التواصل الاجتماعي مثل «الانستجرام والفيسبوك»، حيث يقوم المبتز بتهديد الضحية وطلب ممارسة أعمال لا أخلاقية عبر محادثة الفيديو ويقوم بتسجيل ذلك دون علم الضحية، وتهديده بنشر هذه المقاطع عبر الانترنت إذا لم يرسل له مبلغاً من المال، ونجد أن أغلب حالات الابتزاز الإلكتروني تتم من أشخاص موجودين خارج الدولة وفي أماكن يصعب ملاحقتهم فيها، ولذا ينبغي الحذر من التعامل مع مثل هؤلاء الأشخاص.
التهديد يحسم الصراع
ويرى المحامي راشد الحفيتي أن مواقع التواصل الاجتماعي تعتبر مرتعاً خصباً للابتزاز من قبل ضعاف النفوس إذا ما استغلت الاستغلال السيئ، وبالرغم من أنها قرَّبت البعيد إلا أن الاعتماد عليها بات متزايداً، وأدّى إلى ظهور مشاكل فردية، واجتماعية، وأصبحت تلك المشاكل تمثل تهديداً لخصوصيات الأفراد، وحياتهم، ولا يخفى علينا ما للابتزاز من مساس بالكيان الإنساني، باعتباره جريمة تخدش حياء الإنسان ما يجعله يعيش صراعات داخلية ما بين ضغط، وتهديد يمارس عليه من قبل الجاني المبتز للخضوع لمطالبه مستخدماً عدة طرق منها التشهير به عبر وسائل تقنيات المعلومات المختلفة، أو عن طريق المساس بحياته الخاصة.
 ونجد أن جريمة الابتزاز من أكثر الجرائم التي أصبحت تثار في المجتمع، نتيجة لسهولة التواصل بين الجنسين، والتي ترتكب نتيجة للاعتداء على حرمة الحياة الخاصة للفرد عن طريق الحصول على معلومات تخصّه إما عن طريق سرقة تلك المعلومات، أو الحصول عليها بعد كسب ثقة المجني عليه، ومن ثم القيام بتهديده بنشر تلك المعلومات سواء كانت صوره الشخصية، أو تسجيلاته الصوتية، أو ما يتعلق بحياته الخاصة، أو بعائلته، وتتنوع دوافع الابتزاز ما بين الدافع المادي والانتقامي وغير الأخلاقي إلا إنها تصب في الأخير إلى تحقيق الجاني مبتغاه، ونتيجة لخطورة جريمة الابتزاز على الفرد خاصة، والمجتمع عامة، ولما تمثله من اعتداء على مبادئ وقيم أفراد المجتمع.
أزمة كورونا والجريمة
وتشير عائشة على البيرق، المستشارة والمدربة الأسرية إلى أن التكنولوجيا الرقمية باتت توظف في مجالات خبيثة متنوعة منها عمليات الاستدراج والإغراء الإلكتروني ليتم بعدها جمع معلومات كالصور والفيديوهات التي تحوي ممارسات غير أخلاقية، يتم من خلالها بث الرعب والخوف من العار والفضيحة في نفس الضحية، يستهدف فيها المجرمون الضحية عبر منصات وشبكات التواصل الاجتماعي المختلفة من خلال الانتقاء والتعرف على هوية الضحية، وقد ازدادت الظاهرة خلال فترة التباعد الاجتماعي التي أوجبت على الكثيرين المكوث في المنزل والتعامل مع الأجهزة الالكترونية بصورة مكثفة، ما جعل تلك العصابات تتمكن من صيد فرائسها واستغلال وجودها المستمر بفضل الجائحة، وعلى الرغم من دراية الضحية بالأبعاد والتبعات غير الأخلاقية والشائنة التي يرفضها المجتمع المحافظ، إلا أن فكرة الهوية الرقمية من منظور الغالبية العظمى تعد هوية افتراضية لا واقعية، وأن الممارسات التي تتم في العالم السيبراني من خلال الهويات الافتراضية هي ممارسات افتراضية أيضاً، لا يمكنها أن تنتقل أو تؤثر في الأفراد في العالم الواقعي.
ولهذا لابد من دور توعوي يقع على مسؤولية المؤسسات الرسمية والاجتماعية سواء كانت دينية أو تعليمية أو إعلامية في توجيه وتوعية الفتيات عن خطورة مثل هذه الجرائم والتحذير من سلوكيات وممارسات قد تمكن المبتز للابتزاز. بجانب حضور وتفعيل دور المدارس والجامعات في التصدي للابتزاز الإلكتروني، من خلال تنظيم محاضرات وندوات توعوية للطلبة للتبصير بجرائم تقنية المعلومات. ولا يخفى دور الإعلام الفاعل في توعية الشباب والفتيات حول هذه القضية
الخوف من الفضيحة
وتقول هانم شعبان سالم المتخصصة في العلوم التربوية إن التواصل الرقمي المستمر سهّل على المبتزين اصطياد العديد من الضحايا والمساس بأمورهم الشخصية من مختلف الأعمار والمستويات الثقافية والاجتماعية فاتسعت ظاهرة الابتزاز الإلكتروني التي هي إحدى صور الجرائم الإلكترونية وأصبحت تهدد أمن أفراد المجتمع وراحتهم، حيث إن أهداف الابتزاز الإلكتروني تتعدد منها مادية أو نفعية معنوية، مما يدفع بعض الضحايا للرضوخ لطلبات المبتزين خوفاً من الفضيحة ومن ردة فعل الأهل و المجتمع.
 وأعتقد أنه لا يجب أن نلقي اللوم فقط على المبتز؛ بل على كلا الطرفين، ولا ننكر أن السبب الأساسي والرئيسي لظهور هذه الجريمة هو ضعف الوازع الديني بالإضافة لغياب  الرقابة الأسرية وتقصيرها في توجيه الأبناء وعدم مراقبتهم والجهل ببعض الأمور والحرمان من المحبة والتعامل الحسن، فيجب علينا أن نبحث عن مكمن الخلل التربوي الذي أدى إلى ظهور هذه الجريمة، فلو أننا نملك الوعي الديني والثقافي الكافي ونراقب الله عز وجل في كل خطوة نخطوها لما وصل بنا الحال إلى ما نراه وما نسمعه حالياً من قصص مروعة أدت بأصحابها إلى عواقب كثيرة. 
وتشير هانم إلى أن المبتزين يلجأون إلى حيل نفسية عديدة حتى يستطيعوا إخضاع الضحية والسيطرة عليها منها التهديد بعواقب غير مقبولة من الضحية، كالتهديد بفضح معلومات شخصيه جداً، أوالتهديد بفضيحة، أما الخطوة الأخرى فهي الضغط بعامل الوقت، إذ إن المبتز يعلم بذلك أن الضحية لا يستطيع التفكير بطريقة عقلانية ومتأنية؛ للخلاص من المصيدة. لذلك فإن تأثير الابتزاز الإلكتروني على الصحة العقلية للأشخاص كبير وعميق، وقد يشمل الضغوطات النفسية والقلق والاكتئاب، وقد يؤدي في بعض الحالات إلى الانتحار.
 كما أن الابتزاز الإلكتروني يجعل الضحية تحت ضغط نفسي مستمر وقد يؤثر في النوم سلباً؛ إذ يعاني الضحية من أرق مستمر ومشاكل في النوم، وقد يؤثر الابتزاز كذلك في الأداء الأكاديمي أو حتى على جودة العمل.


النجاة من المصيدة


يضع المهندس عماد عبدالهادي المتخصص في هندسة تقنية المعلومات عدداً من الخطوات التي تمنع الوقوع في براثن الابتزاز الإلكتروني، منها عدم إرسال الصور لأي شخص غريب، وأن لايتم مناقشة المسائل الخاصة في غرف الدردشة على مواقع التواصل، وفي حال تعرض شخص لابتزاز إلكتروني، من الأفضل أن يناقش الأمر مع أقرب الناس إليه ليساعده في الخروج من الأزمة، ويجب الاحتفاظ بالرسائل أو الصور أو المستندات للاستفادة منها كدليل جنائي لدى الشرطة، وإبلاغ الجهات المعنية بالسلامة والأمن الإلكتروني خاصة الشرطة في أسرع وقت ممكن، وعدم نشر البيانات الشخصية عبر الإنترنت، ويشمل ذلك عنوان المنزل ورقم الهاتف وعنوان البريد الإلكتروني الخاص، مع تجنب مشاركة هذه البيانات علناً.
كما دعا إلى عدم الإفصاح عن كلمات المرور الخاصة وتغييرها بشكل منتظم، والمحافظة على إعدادات الخصوصية القوية على الشبكات الاجتماعية مثل الفيسبوك وتويتر. وتجنب المشاركة والرد على رسائل الغرباء في شبكات التواصل الاجتماعية. 
من جانبه يوضح محمد المرزوقي المحامي أن القانون الإماراتي يعاقب على جرائم الابتزاز الإلكتروني بالحبس والغرامة حيث تنص المادة رقم 16 من القانون الاتحادي رقم 5 لعام 2012 والمُختص بمكافحة جرائم تقنية المعلومات، على أن يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين والغرامة التي لا تقل عن مئتين وخمسين ألف درهم ولا تجاوز خمسمئة ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ابتز أو هدد شخصاً آخر لحمله على القيام بفعل أو الامتناع عنه، وذلك باستخدام شبكة معلوماتية أو وسيلة تقنية معلومات.
وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات إذا كان التهديد بارتكاب جناية أو بإسناد أمور خادشة للشرف أو الاعتبار.
 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"