النفط والطاقات البديلة

21:56 مساء
قراءة 4 دقائق

د. لويس حبيقة *

ارتكز الاقتصاد العالمي في القرن العشرين على النفط، وكان الاهتمام السياسي والاقتصادي مرتبطاً بكميات النفط المتوافرة وسعر البرميل. كلما تأزم الإنتاج النفطي لأي سبب، تأزم الاقتصاد العالمي وتوجه الناس إلى الشارع للاحتجاج والمطالبة بالحلول. تغير العالم كثيراً في القرن الواحد والعشرين ولم يعد النفط مهماً كما في السابق. أتت الكوروونا لتضيف إلى الموضوع أي لتخفض الطلب على النفط وبالتالي تخفض الأسعار مما أحدث خللاً كبيراً في ميزانيات الدول المنتجة واضطرارها لتسريع التنويع الإنتاجي حماية للمستقبل. فرضت الكورونا على المواطنين العمل من المنزل أي عدم استهلاك النفط للانتقال أو السفر. العمل من المنزل يظهر أنه رفع إنتاجية العمل، وبالتالي لن تعود طرق العمل إلى ما كانت عليه قبل الكورونا.

تقوم الأمم المتحدة عبر مؤسساتها بجهد كبير لتخفيف التلوث البيئي وتحقيق التنمية النظيفة أو المستدامة. تهتم الأمم المتحدة بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية للمواضيع البيئية كالفقر والصحة. تهتم بالموارد الطبيعية والحفاظ على استمراريتها للتنمية ولنوعية الحياة كالغابات والمحيطات والبحور. تهتم بتقوية دور المجموعات المهتمة بالبيئة كالنساء والشباب والأعمال. تهتم أيضاً بكيفية تنفيذ هذه الإصلاحات كي لا تكون حبراً على ورق أي التمويل والتكنولوجيا والتعليم والتدريب كما القوانين والوعي الشعبي لأهمية البيئة وتأثيرها. في الحقيقة ما زال العالم ينفق على استهلاك الكماليات أكثر بكثير من إنفاقه على ضروريات الحياة والمستقبل.

تضرر كثيراً قطاعا السيارات والنقل الجوي، كما تتعثر السياحة العالمية بسبب الكورونا وبالتالي ينهار الاستهلاك النفطي. من الصعب توقع عودة النفط إلى أهميته السابقة لأن فترة السماح الحالية تعطي العالم المنتج فرصة لتطوير الطاقات البديلة وهذا ما يحدث. يؤكد مستوى أسعار أسهم الشركات المنتجة للنفط مقارنة بأسعار الشركات المنتجة للطاقات البديلة هذا التغيير الكبير في مصادر الطاقة. الأولى تنخفض والثانية ترتفع.

تراجع الاقتصاد العالمي واستمرار الفوائد منخفضة إلى حدود الصفر سمح للشركات المنتجة بالاقتراض لتطوير الطاقات البديلة. ينتقل العالم بسرعة من الطاقات الملوثة إلى الأخرى النظيفة، أي يطور البنية التحتية الخضراء كما لم يحصل سابقاً. استمرار الفوائد منخفضة كما ضخ النقد والمال من قبل الدولة لتخفيف الأوجاع سمحا للمواطن أيضاً بالاقتراض لتوسيع المنزل أو للانتقال إلى منازل أكبر لأن العمل من المنزل أصبح النظام المعتمد. هذا رفع أسعار المنازل في عز زمن الكورونا.

يتنبه العالم أكثر فأكثر إلى محاربة التلوث البيئي الآتي من مصادر مختلفة. أصبح العالم واعياً للضرر الذي يحدثه تلوث البيئة على الصحة والنمو؛ بل على نوعية الحياة. لم يأت التلوث فقط من الصناعات المختلفة، بل أتى أيضاً من إهمال المواطنين في استهلاكهم. أتى من عدم اهتمامهم بكميات ونوعيات وفرز النفايات التي تصدر عنهم مما يؤثر سلباً في النظافة البيئية ويلوث ركائز الحياة من هواء وماء وأرض. يعي العالم اليوم أنه لا يمكن الاستمرار بتلويث البيئة وبالتالي يجب معالجة الأسباب والمصادر بطريقة جدية ومستدامة.

في حملته الانتخابية، وعد الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن بإنفاق تريليوني دولار على تنظيف البيئة الأمريكية، أي عملياً العودة إلى اتفاقية باريس للمناخ التي أخرجها منها الرئيس ترامب. ستنفق الوحدة الأوروبية 30% من برنامجها الإنقاذي المقدر ب 880 مليار دولار على المناخ والسياسات الكفيلة بالتنظيف البيئي. الحقيقة أنه لا رجوع إلى الوراء فيما يخص البيئة بالرغم من الانتكاسات الزمنية القليلة المحدودة. هنالك نوع من الإجماع العالمي على أن القرن الواحد والعشرين سيكون أنظف بيئياً وأفضل لصحة الإنسان، مما ينعكس إيجاباً على الاستقرارين السياسي والاقتصادي. هذا يعني أن حصة الطاقات النظيفة من المجموع العالمي سترتفع من 5% حالياً إلى 25% في سنة 2035 وإلى 50% في سنة 2050 تبعاً لوكالة الطاقة العالمية.

ستكون الدول المستوردة للنفط المستفيد الأول من هذا الانتقال الكبير وفي طليعتها الصين التي تلوث كثيراً لكنها مهتمة بتغيير عاداتها والتحول أكثر إلى النظافة في الاستهلاك والإنتاج. يقول الرئيس شي إن الصين ستتوقف عن الإساءة إلى البيئة بدأ من سنة 2060 وبالتالي لن تضيف بعدها إلى حجم الكربون العالمي.

من أهم أسباب التلوث هي نوعية الطاقة التي نستهلكها في حياتنا والتي في معظمها تصدر الغازات الفحمية المؤثرة سلباً في تنفس الإنسان وحياته وعمره المرتقب. يحاول العالم الانتقال بهدوء من الطاقة الملوثة إلى الأخرى النظيفة من شمس وهواء ومياه وغيرها علماً أن العالم لا يستطيع الاستغناء كلياً عن أي نوع من الطاقات المستعملة حالياً بما فيها الطاقة النووية. ينجح العالم في هذا الانتقال الذي بدأ لكنه يواجه تحديات كبيرة للاستمرار والنجاح:

أولاً: ارتفاع تكلفة الطاقات النظيفة البديلة وخاصة الإنتاج الكهربائي والتسعيرة المطلوبة من المواطنين. حالياً يستعمل العالم أكثر فأكثر السيارات الكهربائية أو الأخرى الهجينة، لكن معظم الدول النامية لا يملك الكهرباء الكافية للانتقال الكلي إلى السيارات الكهربائية بالإضافة إلى أن أسعارها ما زالت فوق قدرة المواطن العادي. تكلفة الإنتاج الكهربائي غير المدعومة ما زالت مرتفعة مما يشير إلى أن تكنولوجيا الإنتاج الكهربائي ما زالت غير متطورة ومكلفة وبالتالي يحتاج العالم إلى تكنولوجيات حديثة تخفض التكلفة الحقيقية.

ثانياً: هنالك دول طبقت الضريبة على الكربون لدفع المواطنين إلى استعمال مصادر أخرى للطاقة أي عملياً الكهرباء النظيفة. هذه الضريبة صعبة التطبيق بالإضافة إلى أن مواطني الدول النامية عاجزون عن دفع ضرائب إضافية حتى لو كانت مبررة. هنالك في الوقت نفسه ضرورة للانتقال إلى الطاقات النظيفة في التدفئة والنقل وخاصة في الزراعة التي هي أساس الحياة النوعية. في الإحصائيات الحديثة وفي الولايات المتحدة مثلاً، نسبة الكهرباء المنتجة من الفحم تدنت من 50% في سنة 2005 الى 21% اليوم. في بريطانيا، تدنت النسبة نفسها من 30% في سنة 2014 إلى 5% في سنة 2018 وهذا لا شك تقدم هائل في التكنولوجيا وحسن الاستعمال.

أخيراً تواجه الدول العربية العدوّ الكوروني بكافة الطرق والوسائل المتاحة. هنالك دول تنجح بفضل السياسات والقدرات المالية وأخرى تتعثر بسبب المال وعدم احترام المواطنين للتوجيهات العامة. القدرات المالية للدول العربية متعثرة عموماً اليوم، لكن لا يمكنها إهمال الخطر الصحي وضرورة الإقفال مع احترام القدرات المعيشية للمواطن. التحديات التي نواجهها عربياً أتت في وقت لسنا فيه أقوياء وبالتالي ترشيد استعمال القدرات المالية والإنسانية والطبية وغيرها هو في أقصى درجات الأهمية.

* أكاديمي لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"