تخفيف ديون الدول النامية

21:57 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد*

ناشدت اللجنة الاقتصادية لإفريقيا التابعة للأمم المتحدة، دول مجموعة العشرين، المسارعة لتقديم مساعدة فورية للدول النامية الأشد فقراً في ضوء اختناقاتها المالية الناجمة عن جائحة كورونا. الأمر يتعلق بطلب تمديد أجل مبادرة تعليق سداد خدمة ديونها حتى نهاية عام 2022، أو نهاية 2021 على الأقل، معتبرةً أن مقاومة بلدان إفريقيا ستنهار إذا ظل صانعو السياسة العالمية غير مبالين أو مترددين في قراراتهم بهذا الشأن. وكانت مجموعة العشرين قد وافقت على تمديد تجميد مدفوعات الديون الثنائية الرسمية في أكتوبر الماضي، استناداً إلى مبادرة تعليق خدمة الدين، إلى النصف الأول من 2021.

بيد أن وزراء مالية مجموعة العشرين الذين اجتمعوا منتصف أكتوبر 2020، لمناقشة مشروع قرار بشأن تدابير جديدة لتخفيف عبء الديون عن بلدان الجنوب، اكتفوا بتمديد العمل لمدة ستة أشهر لما سُميت ب «مبادرة تعليق خدمة الدين»، التي كانت مجموعة العشرين ونادي باريس (إطار مؤسسي يمثل حكومات الدول الدائنة أنشئ في باريس عام 1956)، قد أطلقاها في شهر إبريل 2020.

ولا شك في أن هذا الحل المؤقت، من شأنه إراحة عملية التدفق المالي الداخلي للموازنات العامة للدول النامية التي ستستفيد من مد أجل سداد خدمة ديونها، لجهة تمويل إنفاقها الجاري والاستثماري. إلا أنه ليس كافياً على النحو المطلوب لمواجهة حالة الطوارئ التي فرضها على الدول النامية، تدهور أوضاع الاقتصاد العالمي نتيجة للحرب التجارية الناشبة بين الولايات المتحدة والصين، إلى جانب نظام العقوبات الاقتصادية الذي بات يثقل كاهل حركة انتقال عوامل الإنتاج، لاسيما التجارة في السلع والخدمات، والاستثمار المباشر وغير المباشر، عبر العالم؛ فضلاً عن أزمة كوفيد-19 التي أنشأت وضعاً اقتصادياً عالمياً غير مسبوق نميل لتوصيفه ب «الجائحة الاقتصادية العالمية العظمى».

فالحل الذي عرضه الدائنون، من حكومات ومؤسسات مالية خاصة، يتعلق بمد أجل خدمة الديون الثنائية الأطراف (Bilateral debts) المستحقة خلال الفترة من شهر مايو 2020 إلى شهر ديسمبر 2020 – مدّها إلى فترة تتراوح ما بين 2022 و2024، ما يعني أنه ستتم إضافة المبالغ غير المدفوعة في عام 2020 إلى المبلغ المستحق في تاريخ الاستحقاق الجديد. كما أن المقترح يقتصر على 73 دولة نامية، تماماً كما كان مطروحاً في المبادرة الأصلية، وهو ما يشكل حوالي نصف عدد البلدان النامية فقط؛ إضافة إلى أن المقترح استثنى البلدان الواقعة في خانة العاجز والمتخلف عن الدفع، مثل السودان والأرجنتين وفنزويلا.

البارز أيضاً، أن نموذج اتفاقية إعادة جدولة سداد الديون، تضمّن نصاً مفاده أن إعادة الجدولة، مشروطة بالسداد المسبق للمتأخرات المستحقة على الدول النامية المدينة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي؛ ومشروطة أيضاً بتصديق البلدان المدينة على خطة تعديل هيكلي تحت رعاية صندوق النقد الدولي. والملاحظ هنا، أنه في حين أن الدين الخارجي العام للبلدان النامية، يصل إلى حوالي 3000 مليار دولار (3 تريليونات دولار)، فإن «مبادرة تعليق خدمة الدين» (DSSI)، لا تغطي في أحسن حالاتها، سوى ديون قدرها 20 مليار دولار فقط، أي أقل من 1% من إجمالي الدين الخارجي العام للبلدان النامية.

والإشكال هنا، هو أنه لا الصين ولا الدائنون من القطاع الخاص، مثل البنوك، أو صناديق الاستثمار، أو صناديق «النسور»، الانقضاضية على الفرص الاستثمارية)؛ وهم الدائنون الرئيسيون للبلدان النامية المدينة، قد اشتركوا بصورة مباشرة في تلك المبادرة (DSSI)، نظراً لدعوتهم فقط للانضمام إليها. ولذا لم يمنح أي من أولئك الدائنين، أي تخفيف أو إعادة جدولة للديون. والخشية، أن تصدق تحذيرات بعض الجهات المتابعة للموضوع، والقائلة بأن أولئك الدائنين التابعين لمؤسسة التمويل الدولية، قد هددوا البلدان النامية المشاركة في المبادرة، بخفض تصنيفها السيادي وإجراء خفض حاد في الاستثمار الأجنبي المباشر لديها، وهو ما يعاكس التصريحات الأولية للدائنين من القطاع الخاص التابعين لمؤسسة التمويل الدولية.

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"