ترميم ما لا يُرمم

00:17 صباحا
قراءة دقيقتين

 

مهمة شاقة، للغاية، وليس واضحاً ما إذا كانت ممكنة أصلاً، هي تلك التي تواجه الرئيس القادم للولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن، بإعادة اللُحمة إلى المجتمع الأمريكي الذي بلغ درجة غير مسبوقة من الانقسام السياسي، وحتى المجتمعي، وما حدث من اقتحام لمبنى «الكونجرس» في السادس من الشهر الجاري، على فظاعته، ليس أكثر من مظهر من مظاهر هذا الانقسام.
منذ أن أظهرت نتائج الانتخابات الرئاسية فوز بايدن، أبدى حرصاً على تقديم خطاب «توافقي» خاطب به قاعدة الجمهوريين وليس فقط قاعدة الحزب الديمقراطي الذي ترشح باسمه، داعياً إلى تخطي المرحلة السابقة، واستئناف الحياة السياسية وفق القواعد المستقرة في البلاد قبل ولاية ترامب، ولكن يبدو أن هذا الخطاب لم يجد ما توقعه بايدن من آذان صاغية لدى الجزء الأكبر من قاعدة الجمهوريين المنحازة لترامب شخصياً، والتي صوتت له قبل أن تصوت للحزب الجمهوري نفسه.
ربما تكون تداعيات اقتحام مبنى «كابيتول» قد أحدثت شيئاً من التصدع في صفوف الجمهوريين، حيث شعرت وجوه بارزة بينهم بالورطة التي أوقعت خطابات ترامب التحريضية حزبهم فيها، لكن هذا قد لا ينطبق على مؤيدي شخص ترامب وخطابه، ما يجعل من «ورطة» الجمهوريين مضاعفة، فليست مواجهة غرمائهم الديمقراطيين هي المهمة الوحيدة الماثلة أمامهم بفوز بايدن من جهة، وفقدهم الأغلبية في مجلس الشيوخ من جهة أخرى، وإنما عليهم أيضاً «استعادة» حزبهم من ترامب، وتبدو هذه مهمة أشق من الأولى، أو على الأقل لا تقل عنها مشقة.
المسألة لن تنتهي حتى لو حرم ترامب من حق الترشح للرئاسة ثانية في حال صوت مجلس الشيوخ بالأغلبية المطلوبة لذلك، لأن قراراً مثل هذا يمكن أن يزيد من التفاف مناصريه حوله، ويكرسه زعيماً للتيار اليميني المتطرف في المجتمع، الذي قد لا يكون معنياً، ولو بعد حين، بتوفر غطاء له من الحزب الجمهوري، بل سيسحب إلى جانبه قاعدة كبيرة من ناخبي الحزب، ولن يعدم وسيلة في أن يكون له مرشحوه، في الانتخابات التشريعية والرئاسية على حدٍ سواء.
ربما يبدو هذا السيناريو محض خيال في أعين البعض منا، لكن الثابت أن أمريكا دخلت مرحلة جديدة من تاريخها السياسي، ستفرض وقائع مختلفة لا مفرّ منها، وحتى في حال نجح بايدن في «ترميم» ما انكسر في المجتمع، فإن هذا الترميم لن يصمد طويلاً.
الحزب الديمقراطي، هو الآخر، ليس بمنجاة من استقطاب داخلي حاد علاماته ظاهرة، وهذا سيكون موضوع حديث لاحق.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"