خطر الداخل على الأمة

00:48 صباحا
قراءة 3 دقائق

سليمان جودة

بما صدر عن وزارة الأوقاف في القاهرة يوم التاسع من هذا الشهر، وبما نشرته وسائل الإعلام نقلاً عن الوزارة في عناوين بارزة في صباح اليوم التالي، تكون جماعة حسن البنا تلقت ثلاث ضربات في رأسها، خلال فترة لا تزيد على الشهرين الاثنين. 

 الوزارة أكدت «حرمة الانضمام لجماعة الإخوان»، ثم قالت إن الجماعة تمثل: الخطر الأكبر على الأمن القومي العربي. 

 أما الضربة الأولى فكانت في بيان شهير صدر عن هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في العاشر من نوفمبر/ تشرين الثاني، أي أنه سابق على ما صدر عن وزارة الأوقاف المصرية بشهرين بالتمام. 

 وجه الأهمية الذي يمثله بيان الهيئة في الرياض، يتجسد في أنه صادر عن هيئة بهذا الوزن، وكذلك يتجسد في أنه صادر عن هيئة تضمها بلاد الحرمين الشريفين. وإذا كان هذا كله من بين وجوه الأهمية التي يمكن فهمها واستيعابها في الموضوع، فإن وجهاً آخر للأهمية كان قائماً في سطور البيان، وكان يتمثل بالأساس في أن الهيئة، وهي تجهز بيانها، ثم وهي تخرج به على الناس في شتى أنحاء العالم الإسلامي، وفي أركان العالم من وراء العالم الإسلامي، لم تشأ أن تتوقف عند حدود الإفتاء بحرمة الانضمام «للجماعة»، كما فعلت وزارة الأوقاف القاهرية، وإنما ذهبت إلى مدى أبعد. 

 وكان هذا المدى الأبعد أن البيان نصح كل مسلم، ليس بعدم الانتماء إلى جماعة البنا فقط، ولكن بعدم التعاطف معها أيضاً.. كأنه قد قطع ثلاث خطوات معاً في موضوعه.. فكانت الخطوة الأولى هي الإفتاء بحرمة الانضمام، وكانت الثانية هي النصح بعدم الانتماء، وكانت الثالثة هي النصح بعدم التعاطف.. فيالها من ثلاثة أهداف نظيفة جرى إحرازها في مرمى «الجماعة». 

 وفيما بين الضربتين.. ضربة الهيئة في أرض الجزيرة العربية، وضربة الوزارة في أرض المحروسة.. كانت «الجماعة» على موعد مع الضربة الثالثة التي جاءت هذه المرة من الأزهر الشريف، بكل ما له من ثقل لدى المسلمين في شتى جوانب الأرض. 

 قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية في فتوى صدرت عنه يوم العاشر من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أن الانضمام «لجماعة الإخوان» وغيرها من الجماعات الإرهابية، أمر محرم شرعاً، وإن الجريمة التي ترتكبها هذه الجماعات أنها تقتطع النصوص من سياقها، بما يؤدي بطبيعة الأمر إلى تشويه معناها، واستخدامها بالتالي في تحقيق أهداف ومآرب شخصية، فتصبح النتيجة إفساداً في الأرض. 

 وكما برر مركز الأزهر فتواه، وكما سعى إلى ردها لأسبابها، فإن هذا حدث بالتوازي في بيان الهيئة السعودية، وأيضاً في ما صدر عن وزارة الأوقاف من الإمارات. 

وسوف يستوقفك بكل تأكيد أن توصف جماعة البنا في حديث الأوقاف، بأنها تمثل خطراً أكبر على الأمن القومي العربي. ذلك أن هذا حين يحدث وحين يقال، فإن معناه أن هذا الخطر الأكبر إنما يأتي من داخل كيان هذه الأمة، وعلى يد جماعة من المفروض أنها جماعة من بين جماعات هذه الأمة.. وليس أخطر من التهديد عندما يأتي من الداخل. 

 فمن الجائز أن يكون الخطر من الخارج، بل هو في الأغلب يظل كذلك، ومن الوارد أن يتسرب التهديد من خارج الحدود، بل هو في الكثير من الأحيان لا يتسرب إلا من هذه الزاوية.. ولكن أن تتلقاه الأمة في صدرها عبر جماعة محسوبة عليها، بحكم أنها جماعة من بين أبنائها، أو هكذا نفترض، وبحكم أنها جماعة يدين أعضاؤها بدين الإسلام، ويحملون جنسية كل بلد ينتمون إليه، فهذا في حقيقة الأمر هو ما يدعو إلى الدهشة التي لا حد لها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"