طعم الخيال

22:37 مساء
قراءة دقيقتين

علاء الدين محمود

يعد أدب الرحلات من أجمل الآداب التي عرفتها البشرية وأقدمها، وهو يعتمد بالنسبة للمتلقي، على الصور التي ينقلها الكاتب أو الراوي عن الأمكنة والبلدان التي يمر بها في رحلته، التي دائماً ما تستهدف أكثر من بلد واحد، وقد تحولت نتائج تلك المشاهد إلى كتب ومؤلفات، عدت في أزمنة مضت مرجعاً مهماً في دراسات الجغرافيا والتاريخ، وهو أدب يعتمد كذلك، وبصورة أساسية، على أسلوب الكاتب وطريقته في سرد الأحداث، بل وكذلك قدرته على التحليل وتفسير الظواهر، الأمر الذي يوفر المتعة والدهشة للقارئ، الذي يشترك هو الآخر في هذه الرحلة عبر التخيل. 

برز الكثير من الأدباء والكتاب الذين تخصصوا في ذلك الأدب الرفيع، من شتى أنحاء العالم، وفي مختلف الأزمنة والعصور، ففي الغرب اشتهرت أسماء مثل: ماركو بولو، بل حتى أن بعض أعمال أرنست همنجوي، وأندريه جيد، كانت تعد من أدب الرحلات، أما في العالم العربي فقد ظهرت أسماء كبيرة منذ القدم وحتى العصور الحديثة، مثل ابن بطوطة، وسلمان الترجمان، والمسعودي والبغدادي، بل إن هذا الأدب أغرى المؤلفين على انتاج أدب متخيل للرحلات، على نحو رحلات السندباد، وحي بن يقظان، بل وكذلك عدت «رسال الغفران» لأبى العلاء المعرى، من أدب الرحلات.

 اليوم، تراجع أدب الرحلة وفقد الكثير من بريقه عما كان في السابق، فمنذ بدايات القرن العشرين، حدث منعطف كبير في حياة البشرية عبر المكتشفات التقنية التي سهلت من عملية التواصل والاتصال بين البشر، حيث أصبح السفر والسياحة في متناول الكثيرين، كما أن أدوات مثل التلفزيون صارت تمنح المتلقي فكرة عما يدور في كل أنحاء العالم بتقنيات الصوت والصورة، من دون الحاجة إلى السفر فعليا، وبالتالي لم يعد المتلقي بحاجة لمن ينقل له صورة يتحكم فيها جانب واحد، وهو وصف الكاتب، ثم جاءت وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة لتعزز من ذلك الأمر، لكن على الرغم من ذلك فإن أدب الرحلات لم ينتهِ تماما، فلا يزال الكثير من الكتاب يمارسون الترحال، ولكنهم صاروا يوظفون الأدوات الحديثة في نقل الصور والأحداث، بل وبنقل مباشر عبر ما صار يعرف بتقنية «اللايف»، أو البث الحي، وهنالك العديد من الجمعيات المتخصصة في ذلك الأدب.

لم يعد أدب الرحلات بصورته القديمة مغريا للمتلقي كما في السابق، وذلك لأنه صار يفتقد للكثر من الأشياء التي جعلت هذا الأدب ممتعا في الماضي، فقد غاب السحر والدهشة، ذلك لأن المتلقي في السابق كان يعتمد على رواية تحدثه عن أماكن غريبة تحدث فيها أشياء عجيبة، ويتفاعل معها المتلقي عبر تخيل ما يحدث، أما اليوم فإن الصورة وكما يقول المثل: لا تكذب ولا تتجمل، فهي ترصد الواقع كما هو، ومن الأشياء التي جعلت أدب الرحلة جاذبا في السابق، أن معظم تلك الرحلات كان يقوم بها مؤرخون وجغرافيون ومكتشفون، وأدباء، ولذلك اتسمت صورهم التي نقلوها وكتاباتهم بالاحترافية والدقة، الأمر الذي جعل لأدب الرحلات في السابق طعما ورائحة، بفعل قوة التخيل من قبل المتلقي، قبل زمن الصوت والصورة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

صحفي وكاتب سوداني، عمل في العديد من الصحف السودانية، وراسل إصدارات عربية، وعمل في قنوات فضائية، وكتب العديد من المقالات في الشأن الثقافي والسياسي، ويعمل الآن محررا في القسم الثقافي في صحيفة الخليج الإماراتية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"