هكذا تتكلم اليد

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

ما الذي يجعل المناهج موصولة بالتنمية؟ لا تذهب إلى بعيد: اليد.
الفيلسوف اليوناني أناكساغوراس، كان قبل خمسة وعشرين قرناً، أكثر من دماغ واحد في جمجمة، قال: «الإنسان يفكر لأن له يدين». في ذلك العصر لم يكن للأنثروبولوجيا وجود، ولم يكن في إمكان أيّ مؤرخ أن يحيط ببداية تدوين التاريخ، فضلاً عمّا قبله.
ظهور الإنسان الصناع «هومو هابيليس»، الذي اكتشف ما يمكن أن تبدع يداه كان نقلة نجومية. عندما نقارن الأدوات البدائية الأولى في العصر الحجري بعجائب «النانو» تقانة اليوم ونقارن الرسم على جدران الكهوف بروائع مثل فيلم «آفاتار»، ونقارن مكتبة الألواح الطينية في وادي الرافدين بمكتبة «الكونجرس» التي تستخدم البيتابايت في التخزين، أي تريليون صفحة ما يعدل عشرة مليارات كتاب من صنف مئة صفحة، ونقارن حساب المسافات بالأيام والأسابيع والشهور بالمسبار الفضائي «فويجر» الذي غادر المنظومة الشمسية، والمقارنات لا تنتهي، فإن الخيط الذهبي الرابط هو أن الإنسان فكر واخترع واكتشف وأبدع لأن له يدين.
ما الذي يجب أن يترتب على وضع المقولة في الحسبان؟ المنطلق السليم له بداية قويمة واحدة: من المناهج نبدأ، لأنها هي الأساس والتأسيس.مقولة الفيلسوف هي في حد ذاتها منهج المناهج التربوية. لدينا جانب فكري تفكيري، وجانب عملي تطبيقي يتمثل في تأهيل اليدين. إعداد العقل بتنمية أساليب أدائه، بوساطة تدريبه على البحث العلمي والنقد والتفكير المنهجي والتخطيط الاستراتيجي، وتمرين اليدين، في المجالات الهندسية أو في الفنون. 
حاول متابعة الآلية الطريفة عند الكتابة بالقلم أو لوحة المفاتيح، ستجد أن الذهن يتسلم المقاليد من اليد، بالعكوف على إيجاد الحلول للمشكلات العارضة. الإبداع ليس كله إبداعاً، لا في الشعر ولا في الموسيقى ولا في الأعمال الهندسية وغيرها. المقولة المنسوبة إلى بيتهوفن لها ألف صدقية: «العبقرية 10%، الباقي كله أعمال مضنية».
يقيناً، اليد في العالم العربي ضحية التربية الواهية. مقدمة ابن خلدون مفعمة بالعواقب الوخيمة الناجمة عن إهمال الصناعة. هو يراها بنظرة أنثروبولوجية إلى الأسباب. الحلول اليوم لا تستعصي على المناهج التي تريد كسر الحلقات المفرغة. اليابان تفوقت حتى على أوروبا في وضع تأهيل اليد في صدارة التربية.
لزوم ما يلزم: النتيجة التنفيذية: بكل بساطة، على العرب ترجمة المناهج اليابانية من الابتدائية إلى الثانوية العامة، وسيكون الاستنتاج تلقائياً.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"