هو يحميك فلا تخذله

00:09 صباحا
قراءة دقيقتين


كثيرة هي الدفاعات التي يحيكها ويصنعها العقل البشري المذهل، ويهدف من خلالها لحمايتنا من الألم أو من أثر الصدمات التي تعترضنا في الحياة. عندما نواجه حدثاً ما عصيباً وقاسياً، فدون أن نعلم، يعمل العقل على وضع بدائل لتشتيت الانتباه لتُلهينا عن الواقع المزري المؤلم الذي أحاط بنا. يمكن ملاحظة مثل هذه الحالة في كثير من المواقف الحياتية القاسية، خاصة تلك التي تغمرنا فيها الحسرة والحزن البالغ، حيث تنبع في عقولنا أفكار بعيدة عن الحدث أو نتذكر مواقف لا تمت للواقع بصلة، والبعض يدخل في حالات نستغربها.
والحقيقة أن هذه الحالة قد تقوم مقام الحماية له من الصدمة الشديدة التي قد تنتج عنها جلطة دماغية أو قلبية، أو نحوها من الأمراض التي تقع نتيجة الصدمة العاطفية التي لا تخفى على الأطباء والمختصين. 
الجسد البشري بصفة عامة، يتمتع بجهاز مناعة قوي ولله الحمد، والعقل ليس استثناء، فهو يعمل على الحماية حتى لو استدعى الأمر أن يُدخل الإنسان في وهم، بعيداً عن الحدث الرئيسي، وقد مر بنا وسمعنا كثيراً من القصص عن بعض الناس عند فقدهم لعزيز عليهم وأنهم دخلوا في هلوسة فكرية، ونطقوا بكلمات بعيدة عن المصاب الذي ألمّ بهم، لكنهم بعد فترة من الزمن دخلوا في حالة الحزن، وكأن عقولهم تعمدت إدخالهم في هذه الحالة (الهلوسة) لتُبعد عنهم هول الصدمة وقسوتها ووقعها المؤلم، وبعد أن هدأت النفس قليلاً دخل العقل في حالة الحزن، وكأن الذي حدث هو محاولة لتجهيزه أو لمساعدته للتغلب على هول الصدمة. 
من المهم أن نعمل على مساعدة عقولنا لتقوم بمهامها الحيوية من التفكير والاستنتاج والدفع بنا نحو الإبداع والابتكار، وأيضاً لتحمينا في الأوقات الحالكة من أعمارنا، نساعدها بتزويدها بالمعلومات اللازمة المعاصرة والمهمة، وعندها، فإنها ستقوم بتزويدنا بالإصرار والثقة وتُغذّينا بالأمل، وكما قال الكاتب الأسكتلندي والناقد والمؤرخ الراحل توماس كارليل: «العقل القوي دائم الأمل، ولديه دائماً ما يبعث على الأمل». 
فلتكن عقولنا مفعمة بالقوة حتى تمنحنا الأمل الذي نحتاج إليه. لا تجعل بينك وبين هذا العقل انفصالاً أو هوة؛ بل على العكس مدّه بالغذاء من المعلومات والخبرات والمعارف، ولا تجعله يهرم ويصاب بالسأم؛ لأنك في البداية والنهاية ستحتاج إليه حاجة ملحة. عقلك يحميك ويساعدك في أوقات الشدة، فلا تخذله، قدِّم له ما يحتاج إليه من المساعدة في أوقات الرخاء والهدوء.
[email protected]
 www.shaimaalmarzooqi.com

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتبة وناشرة إماراتية ومؤلفة لقصص الأطفال وروائية. حصلت على بكالوريوس تربية في الطفولة المبكرة ومرحلة ما قبل المدرسة والمرحلة الابتدائية، في عام 2011 من جامعة زايد بدبي. قدمت لمكتبة الطفل أكثر من 37 قصة، ومتخصصة في أدب اليافعين

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"