العراقيون وحلم التغيير

00:16 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

بعد مرور نحو 17 عاماً على سقوط النظام السابق، لا يزال العراقيون يعيشون في المنطقة الرمادية بين آمال عريضة تواقة إلى التغيير، ومخاوف من الذهاب إلى المجهول مع اقتراب الانتخابات المبكرة التي تم تحديد موعد إجرائها في السادس من يونيو/حزيران المقبل، في ظل العملية السياسية الحالية التي نشأت بعد عام 2003.

 لم يكن العراقيون، بالتأكيد، يرغبون في استبدال الدكتاتورية بطبقة سياسية فاسدة بمعظمها، بعضها تسلم السلطة من الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر، والبعض الآخر ركب موجتها وسط اختلاف نظرات مكوناتها الفئوية وأولوياتها، وفي ظل عملية سياسية شابها الكثير من الفوضى، أرست نظاماً ديمقراطياً شكلياً، ووضع لها دستور على عجل، ليدفع العراقيون لاحقاً ثمن كل هذه الفوضى الناجمة عن اختلال النظام السياسي. 

 ظهرت أولى كوارث الطبقة السياسية الحاكمة في انسحاب الجيش العراقي من الموصل أمام عصابات تنظيم «داعش» وإفساح المجال أمامها لإعلان «دولة» على مساحات شاسعة من البلاد في عام 2014. والأسوأ أن السلطة التي تسلمتها الطبقة السياسية الجديدة من بريمر بقيت مجرد سلطة ولم تتحول إلى دولة، بل تحوّلت في النهاية إلى ساحة مع ظهور عشرات الفصائل المسلحة الخارجة عن سيطرتها، ما أدى إلى تراجع آمال العراقيين بالتغيير. 

 لكن المفاجأة جاءت في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2019 حين خرج آلاف العراقيين إلى شوارع بغداد ومدن وقرى محافظات الجنوب والوسط؛ للمطالبة برحيل الطبقة السياسية المتنفذة، ومحاربة الفساد والفاسدين، والإصلاح الاقتصادي، وتوفير الخدمات، وفرص العمل وغيرها، لكن الشعار الأبرز الذي طرحته «انتفاضة تشرين» إلى جانب كل هذه المطالب هو «نريد وطننا». 

 صحيح أن هذا الحراك الشعبي أسقط حكومة عادل عبد المهدي، وأفضى إلى تغيير قانون الانتخابات والمفوضية، في نهاية المطاف، لكنه دفع ثمناً باهظاً من دماء أبنائه (560 قتيلاً وأكثر من 24 ألف جريح)، وإن كان أفسح المجال أمام رئيس وزراء من خارج القوى والأحزاب السياسية، هو مصطفى الكاظمي، الذي اعتبر مجيء حكومته تعبيراً عن مطالب الانتفاضة التشرينية.

وبالتالي فقد عمل الكاظمي على تلبية بعض هذه المطالب، لعل أهمها تحديد موعد لإجراء الانتخابات المبكرة، بالتزامن مع خطوات إصلاحية على صعيد الاقتصاد، إضافة إلى مواجهة جائحة «كورونا»، لكنه لم ينجح تحت ضغط القوى السياسية في محاسبة قتلة المتظاهرين، ولا في تحويل السلطة إلى دولة كاملة مستقلة وذات سيادة، كما وعد من قبل، وإن كان قام بمحاولتين لاستعادة هيبة الدولة، الأولى أخفق فيها مع بداية تسلمه منصبه، والثانية حققت نجاحاً نسبياً حين واجه مطلقي الصواريخ على السفارات والبعثات الدبلوماسية.

 الرئيس العراقي برهم صالح فاجأ الجميع حين أقرّ صراحةً بفشل منظومة الحكم التي نشأت بعد عام 2003، مؤكداً أن العراقيين يستحقون أفضل من ذلك، داعياً إلى «عقد سياسي جديد يؤسس لدولة قادرة ومقتدرة وذات سيادة كاملة»، وذلك لن يتحقق إلا بإعادة النظر في النظام السياسي برمته، واجتثاث الفساد، والقيام بإصلاحات حقيقية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"