ترامب.. كلاكيت آخر مرة

00:18 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. عبدالله السويجي

..«كلاكيت» هي قطعة خشبية مكونة من قسمين يحملها أحد أفراد طاقم تصوير الأفلام والمسلسلات، ويُكتب عليها اسم الفيلم والمخرج ورقم اللقطة أو المشهد، ولو ذكرت أمام الرئيس ترامب فإنه سيحرك يده بطريقته المعهودة، التي تنم عن ضيق صدره ولا مبالاته، لكنه شاء أم أبى سيسمع صوتها يوم الأربعاء القادم الموافق العشرين من يناير/ كانون الثاني الحالي، والتي ستعلن تصوير المشهد الأخير من ولايته، وخروجه من البيت الأبيض (كلاكيت آخر مرة)، إلا إذا ارتكب فعلاً مصيرياً يثبّت وجوده بالقوة رئيساً للولايات المتحدة، كأن يعلن الحرب على إحدى الدول، عندئذٍ سيضرب جون بايدن، الرئيس الفائز بالانتخابات، أخماساً بأسداس، ويلغي احتفالات تنصيبه، ويؤجل دخوله للبيت الأبيض حتى إشعار آخر. وهذا السيناريو مطروح، لكن قيادة الجيش، كما أُعلن في نهاية الأسبوع الماضي، ستمنعه من القيام بإعلان حرب ولن تستجيب لأوامره، ولن تكون تداعيات العصيان كبيرة؛ لأنه سيغادر البيت الأبيض خلال فترة زمنية قصيرة.

 لقد شغل الرئيس دونالد ترامب العالم ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، كما شغل وسائل التواصل الاجتماعي على مدى أربعة أعوام، وصرّح وشاكس وغضب وهدّد وتوعّد، ودخل في حروب إعلامية وإدارية وقانونية، داخلية وخارجية، أبقته في قلب المشهد وبشكل شبه يومي، وكاد أن يدخل حرباً كبيرة مع دول مثل إيران أو كوريا الشمالية أو الصين، لكنه كان يسلك سلوكاً فجائياً في كل صراع، فيتحول التهديد إلى اتفاقيات تتبعها زيارات شخصية بصفته رئيساً، كما فعل مع زعيم كوريا الشمالية، حيث التقى الزعيمان وتصرّفا كصديقين حميمين. ومن جهة أخرى نفّذ تهديده أكثر من مرة؛ فخرج من الاتفاق النووي مع إيران، ونقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة، كما خرج من اتفاقية المناخ، وبعض المنظمات الدولية.

 حين دخل دونالد ترامب حلبة السباق نحو البيت الأبيض مع هيلاري كلينتون في العام 2016، اعتقد كثيرون أن هيلاري ستفوز بالرئاسة لاعتبارات عدة، أولها أن الناخب الأمريكي يحبّ التغيير من خلال انتخابه لامرأة، فكيف إذا كانت مثل هيلاري كلينتون، السيدة الأولى في عهد الرئيس بيل كلينتون لدورتين رئاسيتين، ووزيرة الخارجية في عهد الرئيس باراك أوباما من العام 2009 حتى العام 2013 ومناصب أخرى، وهي الأنيقة صاحبة الظهور اللافت واللغة الإنجليزية الكلاسيكية البليغة، وأخيراً هي المحبوبة وذائعة الصيت وصاحبة الخبرة في السياسات الداخلية والخارجية، ورغم ذلك اختار الأمريكيون منافسها دونالد ترامب، وكان فوزه مفاجئاً للمراقبين؛ إذ اعتقدوا أنه سيخسر الانتخابات كما خسر في العام 2000 حين انسحب، وكما خسر في العام 2012 حين تراجع، لكنه أصر في العام 2016 وفاز على هيلاري كلينتون.

 الناخب الأمريكي يحب التغيير فعلاً، لهذا اختار ترامب، ولا يحب إدخال السيرك في السياسة، لهذا اختار بايدن، لكن ترامب كما يبدو، ومن منطلق اعتقاده أنه حارب للوصول إلى البيت الأبيض منذ العام 2000 ولهذا يستحق البقاء فيه، فترجم طموحه في تشجيع أتباعه لاقتحام الكونجرس، فكانت الخطوة التي جلبت له نقمة الأمريكيين والعالم، وشكلت الضربة القاضية، ودقّت الخشبة (كلاكيت آخر مرة).

 وبعيداً عن كل ما سبق، فإن شخصية ترامب تمثل الكاريزما التي تميل إليها الشخصية الأمريكية بشكل عام، الشخصية المتكبّرة التي تشعر بعظمة بلادها، وبالتالي بعظمتها، وتتصرف مع الآخرين بدونية، والشواهد كثيرة مع زعماء دول عديدين، والشخصية المثيرة للجدل التي تملأ الدنيا وتشغل الناس، والشخصية العابثة التي اعتقدها البعض ساذجة. وأعتقد أن ترامب سيبقى في ذاكرة الأمريكيين ككاريزما مختلفة ومميزة، لكن من المستبعد أن يشتاق الأمريكيون إليه مرة أخرى.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"