قبر آخر من أجل رامبو

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

 

لم يرفض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قبل أيام، نقل رفات الشاعر آرثر رامبو من مقبرة عائلته في مسقط رأسه في شارلفيل إلى مقبرة البانتيون «مقبرة عظماء فرنسا»، مقللاً بذلك من أهمية الشاعر الذي قلب الشعر الأوروبي رأساً على عقب كما يقولون 1854  1891؛ بل جاء رفض الرئيس احتراماً لرغبة عائلة الشاعر في أن يبقى رفاته في مكانه حيث دفن، وقال ماكرون: إن رامبو شخصية رئيسية في الأدب الفرنسي، واصفاً إياه بالشاعر المهم جداً.. «.. وصاحب روح متمردة، واسمه جزء مستمر في تاريخ فرنسا..».
في 37 عاماً فقط عاشها صاحب «فصل في الجحيم» حوّل الشعر إلى سلوك يومي ناري، وطبع اسمه بما يشبه «العنف» وحتى الفوضى الشريرة حقيقياً مع نفسه أولاً، أما حقيقة الشعر بالنسبة إليه فقد كانت في الحياة التي عاشها من دون أن يلتفت مطلقاً إلى الخلف، مملوءاً بالهواء الحر الذي كان يبحث عنه في أماكن قليلة من العالم، ولعل أبرز وأغرب هذه الأماكن مدينة عدن اليمنية، وقيل إنه هناك كان يتاجر بالسلاح، وفي مصدر آخر كان يتاجر بالعبيد.. تجارتان عنيفتان في مستوى عنفية شعرية رامبو نفسه الذي لم يكن يقسو على نفسه كما يرى بعض الشعراء والنقاد، بل كان يتبع نفسه، قبل قلبه وعقله، إلى عدن وإلى أي مكان آخر يجد فيه حقيقة الشعر.
رامبو حكاية فرنسية، ولكنّ فيها شيئاً من «العربية»،.. أولاً: حياته في عدن،.. ولماذا عدن؟؟.. هذا هو السؤال الذي لم يُكشف النقاب عن إجابته حتى الآن؟؟، ثم التجارة بعد الشعر أو مع الشعر، وهما نقيضان وجوديان بالمطلق على الأقل في شخصية نارية مثل شخصية رامبو.
عربياً.. نُقل رامبو إلى لغتنا في عشرات الترجمات المباشرة عن الفرنسية، ولذلك كانت خيانة الترجمة أقل في حالة هذا الشاعر المتموج في النار والرماد، وأكثر من ذلك، وهذا هو المهم، يشكّل رامبو مثالاً أو أنموذجاً أو أيقونة أدبية بالنسبة إلى الكثير من شعراء قصيدة النثر العرب، لا بل يذهب بعض مريدي رامبو من الشعراء العرب إلى تمثل حياته وتقمص شخصيته الشعرية والحياتية واليومية، وبالطبع إلى جانب الإعجاب المطلق بشعره إلى حد تقليده..
ولكن.. ماذا عن البانتيوم «مقبرة عظماء فرنسا»؟؟، وهل كانت شخصية رامبو أو تركيبته النفسية والثقافية تؤهله لأن يكون عظيماً؟
في مقبرة عظماء فرنسا، وبحسب قائمة المدفونين فيها وفق الموسوعة الحرة الويكيبيديا فإن أول من دفن في البانتيوم الكونت أونوريه غابرييل ريكيتي وكان دفنه في 4 إبريل 1791، لكن اللافت هنا أن الرجل استخرج جثمانه مرة أخرى، في العام 1794، ودفن في مكان مجهول، وكان أحد الجنرالات من موتى البانتيوم هو لوي ميشيل اضطرت عائلته إلى استخراج جثمانه من المقبرة لتعرّضه للتعفن، أما الضابط الفرنسي نيكولا جوزيف الذي اختار الانتحار بدل الاستسلام خلال حرب التحالف الأولى فقد اختفى جثمانه من المقبرة، واختفى من المقبرة أيضاً جثمان أوغستين ماري بيكو أحد جنرالات الثورة الفرنسية.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"