عادي

مذكرات إحسان عبد القدوس المجهولة

23:45 مساء
قراءة 4 دقائق
1

القاهرة: «الخليج»

يناير/كانون الثاني هو شهر الروائي والكاتب «إحسان عبد القدوس» بامتياز، ففي الأول منه ولد، وفي السابع عشر رحل، بعد 72 عاماً من الحياة الجادة، التي شغل بها الناس عبر الورق، أو شاشة السينما، وحتى الآن لا تزال الفضائيات تعمل على قصصه ورواياته، برؤية جديدة، ولا تزال الكتب تصدر عنه، وأحدثها «إحسان عبد القدوس بين الأدب والسياسة» الصادر عن «مؤسسة بتانة للنشر والثقافة» لمحمد الشناوي، ولهذا الكتاب قصة طريفة يرويها الكاتب إبراهيم عبد العزيز في المقدمة.

يحكي عبد العزيز أنه ذات يوم من ثمانينيات القرن الماضي، ذهب إلى عمله بمجلة «الإذاعة والتلفزيون»، ليجد صالة التحرير ممتلئة بأعداد كبيرة من مجلة «الجديد» النصف شهرية، وكانت قد توقفت عن الصدور، وألقيت أعدادها بشكل عشوائي للتخلص منها.

يكتشف عبد العزيز  في مجلة «الجديد»  كنزاً ثقافياً حقيقياً، فقد كانت المجلة تحتوي على قصة حياة إحسان عبد القدوس، وكان يتكلم لأول مرة عن سيرته الأدبية والسياسية، وقد سجلها معه الإعلامي محمد الشناوي.

وجد عبد العزيز أنه من المفيد أن يجمع هذه الحوارات ليضمها كتاب، يلقي الضوء على حياة كاتب، شغل الحياة الأدبية والسياسية، كما شغل عامة الناس، خصوصاً أنها كانت المرة الأولى التي يتكلم فيها بهذه المساحة العريضة التي لم يتكلم بها من قبل، حتى أن حلقات الحوار بينه وبين الشناوي امتدت من أول فبراير/شباط 1973، وانتهت في أول إبريل/نيسان 1976، أي حوالي ثلاث سنوات.

توثيق

بدا أن لإحسان عبد القدوس رغبة في توثيق حياته وأدبه، ويلاحظ هذا خلال الفترة التي تحدث فيها عبد القدوس، لأول مرة عن حياته باستفاضة، ويقدمه الشناوي قائلاً: «كاتب سياسي بارع، وصحفي مناضل، له مواقفه التاريخية المعروفة ضد فساد الأحزاب والقصر قبل الثورة، وصاحب قلم ثائر استطاع أن يفجر قضية الأسلحة الفاسدة، التي كانت واحدة من مقدمات ثورة 23 يوليو/تموز، وأحد الكبار من كتاب القصة الذين يقرأ لهم الملايين في العالم العربي كله، وأديب وافر الإنتاج، قدم للمطبعة العربية أكثر من خمسمئة قصة، تحول العديد منها إلى سلم صعد عليه الكثيرون من مخرجي السينما والمسر ح والإذاعة والتليفزيون، حتى وصلوا إلى المجد والشهرة».

هذا هو إحسان عبد القدوس كما يراه المجتمع، فكيف يرى «إحسان محمد عبد القدوس أحمد رضوان» نفسه، كان يرى أن شخصيته الأدبية بنت الظروف والبيئة الاجتماعية التي نشأ فيها، وهي ظروف متضاربة، ومتناقضة للغاية، ويتهم بعضها بعضاً، فقد نشأ في بيت جده لوالده، وكان من خريجي الأزهر، ويعمل رئيس كتاب المحاكم الشرعية، وفي الوقت نفسه كانت والدته السيدة روز اليوسف «فنانة معروفة، وسيدة متحررة، لم تقف عند العمل بالفن، بل انشغلت بالصحافة والسياسة».

الخط الأول

يتحدث إحسان عما يسميه الخط الأول في تكوينه، حين كان طالباً بكلية الحقوق، أثناء الحرب العالمية الثانية، ووجد نفسه متفرغاً للدراسة الأدبية، فقرأ بالإنجليزية معظم ما كُتِب في الأدب العالمي من قصص، وفي مقدمة الكتّاب الذين تأثر بهم «جي دي موباسان» و«أوسكار وايلد» ثم «برنارد شو» وهناك الخط الثاني في تكوينه، وهو كما يقول: «القرآن، أقولها بكل اعتزاز، وأنا مؤمن بأن الأديب الذي يكتب بالعربية، لكي يستقيم له جمال العبارة وموسيقى الجملة يجب أن يوثق صلته بالقرآن، قراءة ودراسة».

يقول إحسان عبد القدوس: «هذا ما حدث لي بالفعل، فقد قرأت القرآن عشرات المرات، بدأت بحكم نشأتي مع جدي العالم الأزهري، أقرأه من باب التدين، وأذكر أنني أصبت بحالة نفسية وأنا في السابعة عشرة من عمري، ألزمتني الفراش فترة طويلة، وتخلصت منها بقراءة القرآن ثلاث مرات متوالية، كعلاج نفسي، ثم بدأت بعد ذلك أقرأ القرآن قراءة الدراسة والتذوق لجمال عبارته».

يوضح إحسان عبد القدوس: «أقول عن نفسي إنني قدري، وأنا لا أؤمن بوجود الفرد كعنصر قائم بذاته، يمكن أن تكون له علامات واحدة ثابتة، ترسم له شخصية محددة، إن كل فرد هو في الواقع مجتمع، أو على الأصح انعكاس لمجتمع، وكل فرد يحمل في داخله كل تناقضات المجتمع، والفرق بين الناس هو الفرق بين المجتمعات، التي ولدوا وعاشوا فيها، والظروف الاجتماعية التي مروا بها، والتي تختلف معها طبيعة التناقضات التي تعيش فيها، ليس هناك فرد أسطوري، كل فرد مجموعة متناقضات، وكذلك أنا».

مكانة وتقدير

يشير عبد القدوس في مذكراته إلى أن المعارك السياسية والصحفية التي خاضها، جرّت عليه خصومة الكثيرين الذين نصبوا أنفسهم للتشهير به كأديب، ومحاولة طمس معالم أدبه وتشويه قيمته الحقيقية، بحيث لم يأخذ مكانته التي يستحقها من التقدير، ولكن هذا لم يؤثر فيه شخصياً؛ لأنه استطاع أن يمزج في نفسه بين الأديب والسياسي، بحيث يتصرف مع خصومه في الرأي بروح الفنان وتسامحه، ويكتب قصصاً بوعيه السياسي الفاهم لمجتمعه، على سبيل المثال كان يشارك في مظاهرات سنة 1936 بالنهار، ثم يذهب إلى السينما أو يقرأ قصة بالليل، دون أن ينقص استمتاعه بالسينما أو بالقراءة من إحساسه السياسي بقضية بلده، يقول: «لقد استطعت بالفعل أن أعبّر بقصصي عن جيلي السياسي كما أراه».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"