السيرة الذاتية والأدب

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

 

بعض السير الذاتية التي كتبها أصحابها عن تجربتهم في الحياة بمراحلها المختلفة، هي أدب بامتياز، حتى يمكن اعتبار نماذج من السيرة الذاتية جنساً أدبياً في مجال السرد، شأنها في ذلك شأن القصة القصيرة والرواية. ويمكن أن تُحكى السيرة الذاتية بصور مختلفة، أو للدقة، نقول، إن بعض أشكال الكتابة يمكن أن تدخل في خانة السيرة الذاتية، بصورة من الصور، كاليوميات مثلاً، ولنا في كتاب الكاتب المغربي عبدالله العروي «خواطر الصباح» بأجزائها المختلفة مثالاً.
كما يمكن أن تعدّ بعض كتب المراسلات بين أديبين، سواء كانا من نفس الجنس، أو كانا امرأة ورجلاً من أهل الأدب، شكلاً من أشكال السيرة أيضاً، ومن أمثلة ذلك المراسلات بين جبران خليل جبران ومي زيادة، أو بين غسان كنفاني وغادة السمّان، فهي وإن لم تكن تغطي كافة مراحل وأوجه حياة أصحابها، كما يُفترض في السير الذاتية أن تفعل، فإنها تقدّم جوانب منها، مغفلة أو مجهولة من حيواتهم، ما كان لنا أن نتعرف إليها لولا هذه المراسلات.
ولا يمكن إغفال السيرة الذاتية الأدبية، ومن أبرز أمثلتها في أدبنا العربي «الأيام» لطه حسين، و«الخبز الحافي» لمحمد شكري، وهذه الأخيرة بالذات انطوت على جرعة عالية من المكاشفة والصراحة والشجاعة في قول الرجل تفاصيل في حياته، يتحرج الأدباء عادة من ذكرها. 
وعلى الرغم من أن «الخبز الحافي» عمل روائي بالدرجة الأولى، فإن شكري أكد أنه بطل هذه الرواية، وأن ما ورد فيها من وقائع حدثت فعلاً، وليست محض خيال.
لكن هل يصحّ أن نعتبر كل سيرة ذاتية، أدباً بالضرورة، حتى لو انطوت على أحداث شائقة، وبعض البوح والمكاشفة؟ لا تصح  في تقديرنا  الإجابة بالإيجاب عن هذا السؤال، فالكثير من الشخصيات العامة كرجال السياسة أو الأعمال ورواد العمل الاجتماعي يكتبون سيرهم الذاتية، دون أن تكون لديهم لا الموهبة ولا المهارات الأدبية، ما يجعلنا نصنفها في خانة «المذكرات»، وهي مختلفة عن أسلوب ومنهج كتابة السير الذاتية.
وإلى رأي مشابه يذهب مؤلف كتاب «في طفولتي – دراسة في السيرة الذاتية العربية»، تيترز رووكي، الذي رأى في كتاب «سطور من حياتي» لمحمد قرة علي، خليطاً من السرد الأدبي وغير الأدبي، فما يرويه عن مرحلتي الطفولة والشباب متخيل، لكن الباقي يُظهر افتقار المؤلف إلى المهارة الأدبية، ما يجعل من كتابه «غير أدبي»، فضلاً عن أن الصور الكثيرة للمؤلف، بمفرده أو بمعية شخصيات أخرى، التي حواها الكتاب جعلته أقرب إلى الوثيقة التاريخية.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"