يوم أمريكي مشهود

00:36 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

ربما يمر التاريخ الأمريكي بساعات عصيبة حين يتسلم الرئيس المنتخب، جو بايدن، مهامه ويغادر سلفه دونالد ترامب، البيت الأبيض «غاضباً ومغضوباً عليه»، لتكتمل بذلك مشاهد وتطورات لم تخطر على بال، بدأت من الاعتراض على نتائج الانتخابات، ثم الاقتحام المهين للكونجرس، وصولاً إلى رصد تهديدات بتخريب يوم التنصيب.

 تداول على حكم البيت الأبيض الأمريكي خمسة وأربعون رئيساً، لكنه لم يشهد عهداً صاخباً كما كان الحال مع ترامب، فقد كسر كل القواعد المتوارثة، وسعى إلى خطف السياسة الأمريكية بعيداً عن تقاليدها المألوفة، وأسوأ ما يختتم به عهده عدم حضوره مراسم تنصيب خلفه، كما جرت العادة، وهو ما لم يفعله من قبل إلا ثلاثة رؤساء هم، جون آدامز، وجون كوينسي آدامز، وأندرو جونسون، ليتجاوز الأمر موقفاً من هزيمته الانتخابية إلى أبعاد أخرى سيتم كشفها تباعاً في الأيام والأسابيع المقبلة.

 ومنذ الحرب الأهلية الأمريكية، لم تعرف الولايات المتحدة استنفاراً أمنياً في العاصمة واشنطن وبقية الولايات مثلما هو الحال اليوم، وحتى عندما قادت حلفاءها في الحربين العالميتين الأولى، والثانية، تسيّدت الوحدة الوطنية المشهد الأمريكي، وتضافرت جهود كل المؤسسات والأحزاب لتحقيق النصر على العدو الخارجي، لكن في الظرف الراهن تبدو الوحدة الوطنية مهددة، وعوامل الشك والريبة طاغية. فمنذ تشكل الولايات المتحدة على وضعها الحالي، ظلت التهديدات الخارجية هاجس صناع القرار في واشنطن، وعلى ذلك الأساس امتلكت هذه الدولة العظمى أقوى جيش في العالم، وعبر التاريخ الإنساني كله، ويمتلك خططاً للقيادة والسيطرة في مختلف أرجاء الكرة الأرضية، أما اليوم فإن التهديد الذي تواجهه واشنطن داخلي صرف، ويبدو من تصريحات المسؤولين أنه شديد الخطورة، ولا يجب التهوين منه، وهنا تكمن المفارقة الاستراتيجية والعقدة في هذه الأزمة.

 المشهد في واشنطن يبدو كأنه فوضى تحت السيطرة، مع ترك مساحة واسعة لمفاجآت غير محمودة، يحاول الرئيس الجديد وفريقه التحسب لها، وفي كل الأحول، لا يمكن لكل ما جرى أن يمر بلا تبعات، فهناك جملة من التحديات على الإدارة الجديدة التصدي لها، وأهمها إزالة آثار الزوبعة التي أحدثها ترامب. والبداية ستكون بالعمل على إعادة توحيد المجتمع الأمريكي، ومد جسور الثقة والشفافية مع أقطاب المجتمع الدولي. فالأضرار التي لحقت بالولايات المتحدة في السنة الأخيرة لم يكن ليصدقها أحد لو لم تحدث، كما لم يكن الحديث عن أزمة انتخابية وتنازع على السلطة في أعرق ديمقراطية قابلاً للتصديق لو لم يصبح أمراً واقعاً ويتابعه العالم أجمع بالصوت والصورة، كأن ما يشاهد من خيالات هوليوود وليس حقيقة واقعية.

 وبالنظر إلى المكانة الأمريكية، سيكون يوم تنصيب بايدن مشهوداً، وستظل أدق تفاصيله تحت المتابعة، وبينما قد يعتبر البعض هذا الانتقال الصاخب للسلطة تصحيحاً لمسار انحرف بشدة عن سياقه، هناك خشية كبرى من أن تستفحل وجهة النظر المضادة، وتعتبر السياق كله «سرقة للانتخابات»، وحينها ستدخل الولايات المتحدة في نفق مختلف تماماً عن كل ما سبق.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"