تركيا وسلاح التعطيش

00:44 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها تركيا والجماعات المسلحة الموالية لها سلاح المياه ضد السوريين كعقاب جماعي؛ لرفضهم الاحتلال التركي، ومقاومته، والمطالبة برحيله عن أرضهم وبلادهم؛ لكن تكرار عمليات تعطيش الناس في المناطق الخاضعة للاحتلال التركي؛ خلقت وضعاً كارثياً لأكثر من مليون سوري يعيشون شمال شرقي البلاد.
 نحن لا نتحدث هنا عن الأطماع التركية القديمة الجديدة في ضم الشمال السوري إلى الدولة التركية، ولا عن مياه الفرات التي تستغلها أنقرة أبشع استغلال لمصلحتها، ولا تقدم للسوريين منها سوى القليل القليل خلافاً للقوانين الدولية وحتى الاتفاقيات الموقعة بين البلدين، وإنما عن الواقع الراهن، الناجم عن الاحتلال التركي، وعمليات النهب والسلب التي تقوم بها قوات أنقرة وأتباعها لموارد هذا البلد وخيراته، وأخيراً تعطيش أبنائه في إطار سعيها لتهجيرهم، وتغيير الواقع الديموغرافي في هذا الجزء من الوطن السوري؛ تنفيذاً لمخططاتها وأهدافها العدوانية.
 ربما تقترب من العشرين عدد المرات التي تم فيها تعطيل محطة مياه العلوك الواقعة بريف رأس العين، منذ ما يُسمى ب«الغزوة التركية» الأخيرة أواخر عام 2019، سواء بالقصف المباشر أو عبر منع العمال والموظفين من تشغيلها؛ وهي المحطة الوحيدة في تلك المنطقة التي تزود أكثر من مليون سوري، ينتشرون في ريف الحسكة وأجزاء واسعة من الشمال السوري بمياه الشرب، بما فيها مخيم «الهول» الذي يضم نحو 62 ألفاً من عائلات ومقاتلي «داعش» والمقاتلين الأجانب، إلى جانب كل مخيمات النزوح المنتشرة في المنطقة. وهذه المحطة تدار من قبل مديرية المياه التابعة للحكومة السورية وفق اتفاق روسي - تركي، يتضمن إشراف موظفي الحكومة على تشغيل المحطة، مقابل تغذية منطقة رأس العين وتل أبيض بالكهرباء من سد تشرين بريف منبج، والتي تقع تحت سيطرة الإدارة الذاتية الكردية؛ لكن كما هو معروف، وكما هي العادة، فإن تركيا التي لم تحترم يوماً اتفاقاتها ولا تعهداتها، واصلت الضغط على السوريين بسلاح التعطيش على الرغم من الأخطار التي تتهددهم؛ من جرّاء جائحة كورونا، والتي تلعب المياه دوراً أساسياً في الحد منها، على الرغم من الانتقادات الدولية ومطالبات المنظمات الأممية والمنظمات غير الحكومية بتحييد المدنيين عن أية صراعات سياسية. غير أن الممارسات التركية ولّدت غضباً عارماً لدى السوريين الذين خرجوا في تظاهرات بمدينة الحسكة وأجزاء واسعة من الشمال السوري؛ للمطالبة بإعادة تشغيل المحطة، ومناشدة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بالعمل على إنهاء الاحتلال التركي لبلادهم. 
 وفي محاولة للتخفيف من حدة الأزمة؛ سارعت الحكومة السورية بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى توفير المياه الصالحة للشرب يومياً عبر الصهاريج لتعبئة أكثر من 100 خزان، تم وضعها في مناطق مختلفة ضمن مدينة الحسكة، مؤكدة استعدادها للقيام بدورها في أعمال صيانة المحطة؛ لكن ذلك يبقى مرهوناً بقدرة روسيا على إلزام الجانب التركي بالاتفاق، وإبعاد المدنيين عن شبح التعطيش، وأخطار وباء كورونا الذي باتت الهيئات الدولية تحذر من انتشاره على نطاق واسع في تلك المنطقة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"