خلفيات مسلكيات ترامب

00:42 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.فايز رشيد

ليس في العادة أن يتم الخوض في المسلك الشخصي لزعيم سياسي، أو رئيس لبلدٍ ما، لأن هذه القضية تخصّ الشخص المعني باعتبارها خصوصية. إلا أن الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، شكّل استثناء لهذه القاعدة، فهو كان يحرص على تناول قضاياه الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي، التي اضطرت لإقفال حسابه بعد «غزوة الكابيتول»، حين دخل أنصاره، وبتحريض منه مبنى الكونجرس، للمطالبة ببقائه رئيساً، بغض النظر عن خسارته للانتخابات الرئاسية الأخيرة أمام مرشح الحزب الديمقراطي، جو بايدن. ترامب بتصرّفاته ومسلكياته، جعل صفاته الشخصية تتحكم في معظم قراراته السياسية، على عكس الرؤساء والقادة عامة، ورؤساء الولايات المتحدة تحديداً. 
نقول ذلك لأنه، وكما جرت العادة، فإن سلوكات الرؤساء والقادة تكون محكومة بنهج أيديولوجي فكري نابع من قواعد استراتيجية، سواء بالنسبة للقضايا الداخلية أو في ما يتعلق بالسياسة الخارجية تجاه القضايا العالمية أيضاً، مع الأخذ في الاعتبار وضع الولايات المتحدة كقوّة مقررّة على الصعيد العالمي. ومعروف أن ترامب عمل، ولا يزال في الصفقات التجارية والعقارات بشكلٍ عام، وفي عهده الرئاسي كان من الصعب عليه الفصل بين التجارة والسياسة.
 ويحفظ الأمريكيون اللاتينيون نكتة ساخرة مفادها: إن تلميذاً سأل معلمه: لماذا لا يحدث انقلاب في الولايات المتحدة؟ أجابه المعلم: لأنه لا توجد سفارة لأمريكا في واشنطن». النكتة تنطبق تماماً على الرئيس ترامب. فقد قاد بنفسه محاولة «انقلاب»، مع سبق الإصرار والترصد بغرض البقاء رئيساً لولاية ثانية، وربما مدى الحياة.
 لقد استطاع ترامب أن يثير عاصفة، لكنها تصاعدت ضده، وأوقع نفسه في المصيدة، وأتاح الفرصة لخصومه كي ينقضّوا عليه. لقد سعى ترامب في مواجهة ذلك إلى أن ينجو بجلده. فقد أنحى باللائمة على رجاله الذين قاموا بالهجوم، وتعهد بمعاقبتهم، وبانتقال سلس للسلطة، لكنه ظل مكابراً، بأنه لن يحضر مراسيم تنصيب خلفه، وارتفع صراخ خصومه بالدعوة لعزله. وتطوع محاميه الخاص، مايكل كوهين، للشهادة ضده. 
للعلم، دونالد ترامب لم يأت من رحم الحزب الجمهوري بالمعنى السياسي، أي أنه لم ينخرط في الحزب قبل ترشحه للرئاسة. بل إن انتماءاته السياسية تأرجحت بين الحزبين الرئيسيين، وأحياناً كان يُصنف نفسه مع أحزاب أخرى، ولكنه أعلن انتماءه للحزب الجمهوري في العام الذي سبق ترشحه للرئاسة. كذلك كان ترامب نرجسياً لديه شعور بالعظمة، كما أن لديه ما يسمى في علم النفس ب«الأنا المتضخمة». هذه الصفة يمكن ملاحظة نتائجها في ادعاءاته المستمرة بأن لا أحد يفهم أكثر منه في أي موضوع، سواء حول المناخ والطب، أو أي موضوع آخر. لدرجة أنه خلال فترة إدارته لم يستشر أياً من الرؤساء السابقين، كما تقول المعاهد المتخصصة الأمريكية ومراكز البحث والتفكير، فتضخم «الأنا» لديه كان يشعره بأنه دائماً على صواب.
 ترامب كان سلطوياً في علاقته مع الجميع، سواء مع الذين يعملون معه، أو حتى بعلاقته مع زعماء العالم الآخرين، وصفة السلطوية هذه كان يمارسها بأعلى الدرجات حتى في عالم الأعمال، وانتقلت معه إلى أن أصبح رئيساً. فهو لا يتورع عن قمع أو إيذاء الآخرين الذين يعارضونه، أو يعارضون مصالحهم، لكن من أكثر السلوكات فظاظة في فترة رئاسته كان التنمّر على السياسيين الآخرين من زعماء الدول، أو السياسيين الأمريكيين. 
 إضافة لذلك، فقد كان ترامب قومياً انعزاليّاً، فهو ينظر نظرة دونية للمرأة، والسود والأجانب، ولا يتورع عن الإفصاح عن ذلك بتصريحاته،لا بل أكثر من ذلك، حيث تمت ترجمة عنصريته إلى سياسات داخلية وخارجية ملموسة.
 كل هذه الصفات جعلت منه رئيساً يتصرف بطريقة غريبة، ولا يتورع عن مخالفة القانون في تحقيق أهدافه، ورؤيته، ضارباً عرض الحائط بكل القيم والمعايير، وحتى القوانين الدولية والأمريكية. هذه الصفات مجتمعة جعلته يفكر في أنه «سوبرمان» لا يمكن هزيمته، ولذلك فهو لم يتقبل الهزيمة من قبل جو بايدن، لأنه كان ينظر إليه نظرة دونية، ويصفه بأسوأ الصفات. وقبل أن تبدأ الانتخابات قال إنه إذا لم ينجح فإن الانتخابات ستكون مزورة، وبالتالي لم يعترف بالهزيمة، وحاول تغيير نتائجها لمصلحته.
 لقد صدم ترامب العالم بتصرفاته بعد خسارته، ومحاولة الانقلاب عليها. وحاول أن يغير النتيجة بطرق غير قانونية، وغير شرعية، مستنداً إلى فئات عنصرية متطرفة، وبالقوة. لقد طغت الصفات الشخصية لترامب على مسلكياته خلال فترة حكمه، لكن المؤسسات الديمقراطية لم تسمح له باختطاف صناديق الاقتراع، وبات من شبه المؤكد أنه وضع حداً لحياته السياسية بنفسه.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب وباحث في الشؤون الاستراتيجية، وهو من الخبراء في الصراع الفلسطيني العربي-"الإسرائيلي". إضافة إلى أنه روائي وكاتب قصة قصيرة يمتلك 34 مؤلفاً مطبوعاً في السياسة والرواية والقصة القصيرة والشعر وأدب الرحلة. والمفارقة أنه طبيب يزاول مهنته إلى يومنا هذا

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"