عادي

رسائل الإلزام والترهيب تغزو مواقع التواصل

01:26 صباحا
قراءة 4 دقائق
1

تحقيق: جيهان شعيب

لا يمكن لأي كان أن يدعي أن فلاناً سينال الأجر والثواب إن فعل هذا الأمر، أو سيقع في وزر إن أهمل ذلك، فإقحام النفس من دون علم واف، وسند شرعي، فيما يتعلق بالثواب الدنيوي، والعقاب الأخروي، لا يجوز، بل ومحرم دينياً، والقول هنا ينسحب على الرسائل التي يتداولها البعض على وسائل التواصل الاجتماعي لاسيما «الواتس آب»، ويطالبون من تصل إليهم بإعادة إرسالها وتعميمها على قوائم الأسماء لديهم، منبهين إلى أن في إهمال ذلك أمراضاً قد تصيبهم، وحوادث قد يتعرضون لها، مقابل الأجر الكبير، والرزق الوفير الذي سينالونه، ويحصلون عليه، وفي غضون سويعات قليلة حال تعميمها.

سذاجة تصل إلى حد الاستهزاء بوعي وإدراك الآخرين في مثل هذا الفعل المتكرر، والمتواصل الذي يقوم به البعض، والذي أضحى بمنزلة ظاهرة، تغزو هواتف الكثيرين، وحساباتهم الإلكترونية، ولا مناص لهم أو مفر، فيما القضية ليست في تلقي مثل هذه الرسائل فقط، بقدر التهديد، والوعيد الذي تتضمنه، حال عدم إذعان المرسلة إليهم، بنشرها على النطاق الأوسع، مع ما قد تسببه لهم من توتر، وقلق، وبلبلة قد تأخذ ببعضهم للسقوط في الخوف، وربما الفزع من عدم التسليم بما تتضمنه، بل والتشكيك في جوانب معتقدهم الديني.

من أعمال الشعوذة

حول ذلك يرى د. جاسم ميرزا رئيس جمعية الاجتماعيين، أن ظاهرة تبادل الرسائل والمحتويات غير المسؤولة، والمعلومات المضللة، من سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تتنافى مع الدين، والعقيدة، وتعد من أعمال الشعوذة، ومن يصدقها يعتبر جاهلاً، وعديم الإيمان، بينما من يؤكدون أن من يعاودون نشر ما يصلهم من رسائل تحوي أدعية وغيرها، سينالون الأجر والثواب، والرزق، وغيره، هم كاذبون، ودجالون، لأن الشخص المتعلم، يجب ألا يصدق مثل هذه الرسائل، ولا ينساق وراء ادعاءات هؤلاء، بل عليه التصدي لهم بعدم التجاوب معهم، وبإهمال ما يطالبون به، ويروجون له، ويلوحون بنيله من بشارات الخير، والسعادة، والتوفيق، لأن ذلك كله بأمر الله، وفضله، وليس بيد بشر أي كان، ولابد من سَن تشريع لتجريم ذلك، لأن من يقوم بتضليل الناس، وينشر الشائعات، والأكاذيب، يجب أن يلقم حجراً، لكونه يرتكب جرماً يندرج تحت مسمى النصب، والاحتيال، بافتراءات، وأقوال مغلوطة، بما يشوه صورة الإسلام، لكون الخير لا يأتي إلا من الله وحده.

من دون سند

يقول عيسى الذباحي: بدأت تنتشر بين الناس في كثير من المواقع الاجتماعية، والرسائل النصية، والواتس آب، هذه العبارات وهي خطأ بلا شك، لأن فيها إلزام الناس بما لم يلزمهم به الله سبحانه وتعالى، أو النبي صلى الله عليه وسلم، وإلزام الناس بالإرسال ليس من حقنا، أو من حق الآخرين، وهذه المسائل لا بد من عرضها على مركز الإمارات للإفتاء للبت في شأنها، ومن ثم ردع أصحابها عن طريق السلطات المختصة، وهذا يستلزم أن تخصص له حلقات تلفزيونية، وبرامج توعوية، تحذر من مغبة تتبع هذه الأقاويل، من دون أن يكون لها سند من الفتاوي الصادرة عن اللجان الرسمية المعتمدة في الدولة.

وجوب الدليل

ويفند الباحث الشرعي د. السيد البشبيشي الظاهرة استناداً إلى واقعها في الشارع الحكيم، قائلاً: انتشرت في الآونة الأخيرة على وسائل التواصل رسائل، ومنشورات دعوية، بعضها يحتوي على معلومات صحيحة، وأكثرها يحتوي على أحاديث مكذوبة، ومعلومات غير صحيحة، وإذا بمُرسلها يُشدد على ضرورة نشرها، وإرسالها لعدد معين من الأصدقاء، بل ويهدد من يتهاون في هذا بالخسارة، أو المرض، ، وبعذاب القبر، والنار في الآخرة، ونحن وإن أحسنّا الظن بمن يرسل مثل هذه الرسائل، وأنه ربما ينشرها من باب الدلالة على الخير، ونشر العلم لأن من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، كما جاء في الحديث: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً»، أقول: حتى إن كانت الرسالة صحيحة ومحتواها سليماً، فإنه لا يجوز إلزام الناس بنشرها، لأنه إيجابُ ما لم يوجبه الله ولا رسوله، ولم تدل عليه قواعد الشريعة. فكيف نلزم الناس بما لم يلزمهم به الكتاب، والسنّة؟ وكيف يُرتب هؤلاء الثواب والعقاب على نشر هذه الرسائل من عدمه؟

لذلك لا يجوز إرسال مثل هذه الرسائل التي يكتب في آخرها «إذا أرسلتها سوف تسمع خبراً سعيداً أو تفوز بكذا، أو حملتك هذه الأمانة أن ترسلها أو تنشرها، أو أنك ستأثم أو ستعذب إن أهملتها»، لأنه لا يرتب الأجر، ولا الإثم إلا الشرع بالدليل، فمن ادعى أجراً أو وزراً فإنه مطالب بالدليل، وإلا فإنه يدعي ما لا علم له به، وكأنه ينازع الله في صفاته، وكأنه يدعي علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله.

أقول كذلك لمن يستلم مثل هذه الرسائل إذا كان ما فيها صحيحاً: إنّه غير مجبرٍ على نشرها، بل هو مخيّر بين نشرها، أو تركها، والأفضل له أن ينشرها لتبليغ الخير، وتحصيل الأجر، لكنه لا يأثمُ في عدم نشرها، وعليه أن يحذف الجزء الأخير منها لأجل ألا يقع في الخطأ الذي وقع فيه من أرسلها إليه.

وأمّا في حال ثبوت عدم صحة ما في الرسالة من معلومات، أو أحاديث فيحرُمُ على مُستلِمها تصديقها، أو الاعتقاد بما فيها، كما يحرم عليه الخوف من التهديد، والترهيب الذي خُتمت به، من الابتلاء بالمرض، أو غضب الله وعذابه إذا لم ينشرها، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء كتبه الله عليك»، كما يحرم عليه نشرها، وعليه ألا يلتفت إلى قول مرسلها: أمانة في رقبتك، أو حلفتك بالله، أو أقسمت عليك، فهذا ليس من الدين ولا يجوز، بل ينبغي له أن يحذره من ذلك، وأن يظهر الحق له لأن يتحقق، ويتثبت مما يرسل، وينشر قبل إرساله، فإن التبست عليه الأمور، فليسأل أهل العلم والتخصص.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"