(فيديو)..التنمية في إفريقيا ما بعد الاستعمار

وصفات البنك الدولي لفكرة إعادة بناء القارة على النمط الغربي
22:25 مساء
ترجمة وعرض:
نضال إبراهيم
قراءة 8 دقائق
كتاب
Video Url

عن المؤلف

الصورة
1
كوري ديكر وإليزابيث مكماهون
* كوري ديكر أستاذة مشاركة في التاريخ بجامعة كاليفورنيا، (ديفيس)، وهي مؤلفة كتاب «تعبئة النساء الزنجباريات: النضال من أجل الاحترام والاعتماد على الذات»(2014)، ولها العديد من المقالات في مجلات محكمة ومتخصصة.
** إليزابيث مكماهون، أستاذة مشاركة في التاريخ بجامعة تولين، (لويزيانا). وهي مؤلفة كتاب «العبودية والتحرر في شرق إفريقيا الإسلامية: من الشرف إلى الاحترام» (2013) والعديد من المقالات في العمل الدولي وتاريخ الطبقة العاملة والعبودية والإلغاء، وغيرها من القضايا.

عانت القارة الإفريقية خلال تاريخها من الاستعمار بكل أشكاله، ويبدو أنها تعاني تبعاته الآن، حيث لا يزال الكثير من المؤسسات في الدول الغربية توظف التنمية لفرض أجندات سياسية معينة، إلى درجة أن البعض اعتبرها شكلاً جديداً من الاستعمار. يستكشف هذا الكتاب من أين أتت فكرة التنمية هذه؟ وكيف شكلت ماضي إفريقيا، وحاضرها ورؤى المستقبل؟

يتحدى كتاب «فكرة التنمية في إفريقيا» خطابات التنمية الدولية السائدة حول القارة، من خلال تتبع تاريخ الأفكار، والممارسات، و«مشاكل» التنمية المستخدمة في إفريقيا. ويقدم نهجاً مبتكراً في معاينة تاريخ وثقافة التنمية من خلال عدسة المعرفة التنموية، التي كانت أساساً لفكرة إفريقيا في الخطابات الغربية منذ أوائل القرن التاسع عشر. نقرأ في الكتاب سرداً تاريخياً لكيفية ظهور فكرة التنمية مع سرد لسياسات وممارسات التنمية في إفريقيا خلال فترة الاستعمار وما بعد الاستعمار.

 يسلط الكتاب الصادر عن مطبعة جامعة كامبريدج (29 أكتوبر/ تشرين الأول 2020)، الضوء على أربعة موضوعات دائمة في التنمية الإفريقية، بما في ذلك تداعياتها الحالية: الحياة المنزلية، والتعليم، والصحة، والتصنيع. ويقدم توازناً بين النظرة العامة التاريخية وتحليل دراسات الحالة السابقة، والحالية، وتبرهن على أن الأفارقة قد اختاروا دائماً فكرة التنمية، وتحدّوها، وأصلحوها، حتى عندما تفترض نظرية التنمية المتمركزة في الغرب فكرة أو طريقة تدفق الأفكار والتمويل من الغرب إلى إفريقيا.

 من الاستعمار إلى التضامن

 تقول المؤلفتان: «يقترح البنك الدولي أنه يمكن إصلاح مشكلة التنمية من خلال جمع «البيانات» التي تغذي الحلول العلمية على النمط الغربي. ثم يترجم «الخبراء» النتائج العلمية إلى «مشاريع» تهدف إلى توسيع الاقتصادات الوطنية للبلدان الإفريقية، وبالتالي دفع الشباب الإفريقي إلى مستقبل محدد مرتبط بالرأسمالية النيوليبرالية، والحداثة الغربية. ويمثل كل جزء من موقع البنك الدولي في إفريقيا جزءاً من فكرة التنمية التي تدعو إلى هذه الحداثة على النمط الغربي، وهي حداثة تتغير باستمرار، وبالتالي فهي بعيدة المنال دائماً. وبالنسبة لأغلبية الأفارقة اليوم، لا تعني «التنمية» بالضرورة الدخل القومي الإجمالي، أو معدلات النمو، أو التقييمات الإحصائية للبنية التحتية في بلدانهم. فالتنمية ملموسة بشكل أكبر على المستوى الفردي - مقياس لقدرة الأم على دفع الرسوم المدرسية لأطفالها، على سبيل المثال - وأقل واقعية - مثل الشعور العام «بالمضي قدماً أو تبني التغيير. ومع ذلك، فإن تعريف البنك الدولي للتنمية، ولا سيما فكرة أن بعض الدول متخلفة عن دول أخرى، قد استرشد بها، ولا يزال يوجه سياسات التنمية الدولية لإفريقيا».

 وتجدان أن هذه الفكرة أصبحت متأصلة من قبل الأفارقة أنفسهم الذين ورثوا لغة الآخر من الاستعمار، وحولوها إلى لغة تضامن في القرن العشرين. وتصور فكرة التنمية أن هذه القارة وشعوبها عالقة في الماضي، ومنغمسة في الفقر، وبالتالي، هدف التدخل ضروري ومبرر..

 ويبحث الكتاب أيضاً في تاريخ الأفكار والممارسات، و«مشاكل» التنمية باعتبارها الفكرة التي شكلت الطريقة التي ينظر بها الغربيون إلى الشعوب، والمجتمعات، والبيئات الإفريقية. ويهدف إلى معرفة كيف، ولماذا حققت جهود التنمية الدولية في إفريقيا نتائج غامضة تاريخياً؟ ولماذا نحتاج إلى تحدي الافتراضات الأساسية التي تقوم عليها فكرتنا المعاصرة للتنمية؟ تتساءل المؤلفتان. وتجدان أن «المعرفة التنموية» تشير إلى نظام المعرفة الذي يدعي وجود اختلافات حقيقية يمكن قياسها في «التنمية» بين الأمم، أو المجتمعات، أو المجموعات الاجتماعية. وبحسب المفهوم «العلمي» فإن بعض المجتمعات «متطورة»، وبعضها «غير متطور»، أو «أقل تطوراً»، أو في طور «التطور». وتعزز نظرية التطور الانطباع بأن التنمية هي العدسة الوحيدة التي يمكن من خلالها فهم الثقافات والمجتمعات الإفريقية، «لقد كان تاريخ إفريقيا الحديث تاريخاً للتنمية. ولا نعني بهذا النمو الاقتصادي الرأسمالي، أو توسع البنية التحتية، أو ظهور الدول القومية الديمقراطية التي شهدتها العديد من البلدان الأفريقية».

 اختلافات عنصرية

 يؤكد العديد من الدبلوماسيين، والمهنيين، والممارسين، والعلماء، بحسب الكتاب، أن التنمية الدولية بدأت مع مؤتمر بريتون وودز، عام 1944 وإنشاء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في العام التالي. ووفقاً للسرديات العامة، فإن هذه المؤسسات في البداية جمعت الأموال من أجل انتعاش أوروبا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ثم حولت اهتمامها تدريجياً نحو تنمية «العالم الثالث»، أو ما يُطلق عليه اليوم غالباً «الجنوب العالمي».

 وظلت الافتراضات حول الاختلاف العنصري أساساً لمفهوم التطور بين 1880 و1950، عندما كان أكثر من 90 في المئة من القارة الإفريقية تحت السيطرة الاستعمارية الأوروبية. وتدريجياً بعد الحرب العالمية الثانية، حوّل خطاب التنمية تركيزه من العرق إلى الثقافة، لكن الآخر للأفارقة عرقياً، وثقافياً، وجغرافياً، لم يختف. هذا الآخر ليس بالضرورة انعكاساً للتحيز العنصري، أو النوايا السيئة بين الأفراد المشاركين في أعمال التنمية، بل على العكس تماماً. يهدف معظم الأشخاص الذين يعملون من أجل تنمية إفريقيا إلى العدالة والمساواة على مستوى العالم. ومع ذلك، فإن هياكل التنمية الصناعية تديم التفاوتات الأيديولوجية والمادية. والحجة الأساسية لهذا الكتاب هي أن منطق الاختلاف والتمايز هذا مبني في أسس نظرية التطور نفسها.

وتشير المؤلفتان إلى ما ناقشه عالم الأنثروبولوجيا جيمس فيرجسون، الذي يرى أنه حيث يبدو أن التنمية فشلت في إفريقيا، فإن الحداثة قد حلت محل التنمية كهدف لأولئك الذين يرغبون في تحسين حياتهم ومجتمعاتهم. وتقولان: «يجب فهم المفاهيم الإفريقية للتنمية من منظور الفلسفات الإنسانية، وأفكار التغيير الاجتماعي. ويمكن للرؤى البديلة للتنمية أن تكشف أيضاً عن بعض الافتراضات والمفاهيم الخاطئة المتضمنة في المثل الغربية وسياسات التنمية من الأعلى إلى الأسفل».

 وتضيف الكاتبتان: «خلال القرن التاسع عشر، صورت الجهود الإنسانية للمبشرين والأوروبيين الذين تبنوا «عبء الرجل الأبيض»، الحضارة على أنها هدية للأفارقة. وحددت هذه المهمة الحضارية نغمة التدخلات الدولية الاستعمارية، وما بعد الاستعمار في إفريقيا. ولم تكن تنمية الحقبة الاستعمارية تتعلق أبداً بمساعدة الأفارقة فحسب، بل كانت أيضاً مشروعاً أيديولوجياً، واقتصادياً، وسياسياً، سعى إلى استغلال الأرض، والعمالة، والموارد الإفريقية. هذا ليس حكمنا على التنمية، ولكن تم بناؤه في المفهوم ذاته لسياسة التنمية الاستعمارية. وكان المصطلح الفرنسي المستخدم للتطور الاستعماري في إفريقيا هو «تحقيق قيمة». وعلى غراره، نص قانون التنمية الاستعمارية البريطاني عام 1929 صراحة على أن تمويل التنمية الاستعمارية يجب أن يعزز «التجارة مع المملكة المتحدة والصناعة فيها». وفرضت السياسات الاستعمارية للاكتفاء الذاتي أن تكاليف الإدارة والبنية التحتية والرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية الأخرى يجب أن تأتي من الإيرادات المحلية، بدلاً من الموارد الحضرية. واعتمدت الإدارات الاستعمارية على المنظمات الخيرية مثل مؤسسة روكفلر، وكارنيجي، لتعويض كلفة برامج التنمية».

 سياسات جديدة

 بعد الحرب العالمية الثانية، عالجت سياسات التنمية الجديدة مطالب الأفارقة والمسؤولين الاستعماريين، والمبشرين، والعاملين في المجال الإنساني، بمزيد من الاهتمام والتمويل نحو «الرفاه الاجتماعي». وعرضت القوى الإمبريالية الأوروبية «هدية» التنمية هذه من أجل قمع المشاعر المعادية للاستعمار.

وخلال الحقبة القومية، ناقش بعض القادة السياسيين الأفارقة ما إذا كانت تدخلات التنمية الدولية في إفريقيا تشكل شكلاً من أشكال الاستعمار الجديد. وفي كتابه الصادر عام 1965 بعنوان «الاستعمار الجديد: المرحلة الأخيرة من الإمبريالية»، عرّف كوامي نكروما الاستعمار الجديد بأنه وضع تكون فيه الدولة «نظرياً مستقلة ولديها كل الزخارف الخارجية للسيادة الدولية»، ولكن «الحقيقة الواقعية» هو أن نظامها الاقتصادي، وبالتالي سياساتها مدارة من الخارج.

 كما أعرب القادة السياسيون الأفارقة عن قلقهم من أن المنظمات الدولية ما بعد الاستعمار، حتى عندما لم تعد القوى الاستعمارية السابقة تسيطر على الاقتصادات الوطنية الإفريقية، غالباً ما تحاول التأثير في السياسة الإفريقية عبر مساعدات التنمية. وبهذه الطرق، تفرض الدول الغنية (غالباً ما تكون من الدول الاستعمارية سابقاً)، قوتها المالية على البلدان الفقيرة (مستعمراتها السابقة). ولم تكن اتهامات الاستعمار الجديد في إفريقيا مقتصرة على القوى الإمبريالية السابقة. فقد جادل العديد من الأفارقة بأن سياسات البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، قد زادت من اعتماد إفريقيا على شمال العالم، وكرر العلاقات السياسية في الحقبة الاستعمارية. وسواء كانت الإشارة إلى الحقبة الاستعمارية، أو ما بعد الاستعمار، فإن أحد الأهداف الأساسية لمشروع التنمية هو جعل البلدان الإفريقية تبدو أشبه بالدول الغربية اقتصادياً، وسياسياً، وثقافياً. وتسعى تدخلات التنمية إلى تشجيع التجارة والاستثمار الرأسمالي النيوليبرالي والضغط على القادة الأفارقة لإجراء إصلاحات ديمقراطية. وظاهرياً، هذه تطلعات جديرة بالثناء ومصممة لتحسين حياة الأفارقة وجعل الدول الإفريقية شركاء أكثر مساواة في السوق العالمية. ومع ذلك، فإن الدافع الأساسي وراء هذه الجهود كان دائماً هو تسهيل الاستثمار الأجنبي، والتجارة، وضمان استمرار الازدهار للبلدان الغنية بقدر مساعدة الدول الإفريقية على أن تصبح أكثر ثراء.

 تأثير إرث الاستعمار

 لطالما ابتكر الأفارقة أساليبهم للحفاظ على بيئاتهم وتعزيز مصالحهم الاقتصادية، وحماية أنفسهم من مختلف أشكال القهر، أو الاستغلال. لكن في عصر التنمية الدولية، يتحايل الكثير من الناس على الحكومات والشركات متعددة الجنسيات والمؤسسات المالية الدولية من أجل تعزيز المصالح المحلية والمبادرات الشعبية. لقد بشرت السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين بالكثير من التفاؤل بشأن آفاق التنمية في إفريقيا. وهنا تتساءل المؤلفتان: ما الذي حرّك دافع التنمية في إفريقيا بمرور الوقت؟ كيف تم تعريف التنمية ومن قام بتعريفها؟ كيف أصبحت المعرفة التنموية الإطار المهيمن لفهم الديناميكيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الإفريقية؟

 وتجدان أن التنمية ظهرت في أشكال عدة ومختلفة ولم يطلق عليها دائماً «التنمية»، لكنهما تحددانها بثلاث طرق: أولاً، تستلزم التنمية الكثير من المعرفة التنموية، أو إنشاء المعرفة حول الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والبيئية والفكرية والمادية في إفريقيا وكيفية تحسينها. وتم إنشاء هذه الأفكار بشكل أساسي من قبل الحكومات غير الإفريقية والأفراد الموجودين في شمال الكرة الأرضية.

ثانياً، تشير التنمية إلى السياسات والممارسات المحددة الناشئة عن هذه «المعرفة» المفروضة على المجتمعات الإفريقية. ثالثاً، نظراً لأن التنمية تقوم على علاقة غير متكافئة بين «من يملكون»، و«من لا يملكون»، (أي، أولئك الذين يدعون أن لديهم تنمية وأولئك الذين يعلنون أنهم ليس لديهم وبالتالي يحتاجون إلى التنمية)، فإن التنمية هي خطاب القوة التي فرضها «الخبراء» على الأفارقة، على الرغم من أن الأفارقة قاموا أيضاً بتحدي، أو إعادة تعريف، أو تخريب، أو هندسة نظريات وممارسات التنمية. وباختصار، تستلزم التنمية إنتاج المعرفة، والقدرة على تنفيذ هذه المعرفة، وتأثير هذه المعرفة والقوة في خبرة الأفراد في النظام. وترتبط الأجزاء: الأول، والثاني، والثالث، من هذا الكتاب بهذه التعريفات الثلاثة للتنمية، على التوالي، وتؤرخ العلاقة بينها.

ونختم هذه القراءة المختصرة لمحتوى الكتاب بما تقوله المؤلفتان: «على الرغم من الخطاب الدفاعي حول المساعدة وتحقيق المساواة، فإن صناعة التنمية قد بذلت جهوداً أكبر للحفاظ على التفاوتات العالمية والمحلية أكثر مما فعلت لتفكيكها. وهذا جزء من إرث الاستعمار الأوروبي في إفريقيا، وهو تطور دولي موروث لم يتراجع بعد، بغض النظر عن نوايا خبراء التنمية والدعاة إلى التنمية».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

نضال إبراهيم

كتب مشابهة

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

1
ميريام لانج وماري ماناهان وبرينو برينجل
جنود في كشمير
فرحان م. تشاك
1
داون سي ميرفي
1
مايكل كريبون
لاجئون سوريون في تركيا
لميس علمي عبد العاطي
1
ديزيريه ليم
1
جيمي دريبر
1
جورج ج. فيث