ديون العالم المتراكمة

22:19 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد

نتيجة لتردي الأوضاع الاقتصادية في العالم، قبل ظهور وباء كورونا، بسبب موجة الحمائية والحروب التجارية والعقوبات الاقتصادية التي أطلقتها الولايات المتحدة، فقد عانت اقتصادات البلدان النامية معاناة بالغة من «انكماش» العولمة أمام موجة الحمائية، وانعكس ذلك على تعاظم مشكلة نقص مصادر تمويلها المحلية، نتيجة لانحسار إيراداتها وتخصيص جزء كبير منها لسداد مديونياتها الخارجية. فكان أن قفز إجمالي هذه الديون في عام الجائحة، وتحديداً في أبريل 2020، بنسبة 9.5%، مقارنة بعام 2019. وأظهرت إحصاءات الديون الدولية لعام 2019 الصادرة عن البنك الدولي، أن إجمالي الدين الخارجي للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، ارتفع في عام 2018 بنسبة 5.3%، إلى 7.8 تريليون دولار.

وكانت عدة مناشدات دولية قد صدرت مطالبة بمساعدة الدول النامية لتخفيف أعباء هذه الديون عن كاهلها، في ضوء معطيات جائحة كورونا، من بينها منظمة التجارة العالمية التي أكد نائب مديرها العام، آلان وولف، «أنه يتعين على مجموعة العشرين توفير تريليونات الدولارات من التمويل التجاري للدول النامية، لضمان تعافي الاقتصاد العالمي من جائحة كورونا، والاستفادة من التجارة للمساعدة في ضمان الاقتصاد وتسهيل التجارة في الإمدادات الطبية الأساسية، وإصلاح الإطار المؤسسي للتجارة العالمية، معتبراً أنه عندما لا تتحرك المحاصيل وتتعطل المصانع في جميع أنحاء العالم النامي سيتأخر التعافي العالمي». 

وبالفعل، فقد استجابت مجموعة العشرين جزئياً لهذه التحديات، حيث قرر وزراء مالية مجموعة العشرين الذين اجتمعوا، الأربعاء، 14 أكتوبر 2020، على هامش الاجتماع السنوي للجمعية العمومية للبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، الذي عقد خلال الفترة من 12 إلى 18 أكتوبر 2020، تمديد العمل لمدة ستة أشهر (أي إعادة جدولة المدفوعات من يناير إلى يونيو 2021)، لما سُميت ب«مبادرة تعليق خدمة الدين» التي كانت مجموعة العشرين ونادي باريس (إطار مؤسسي يمثل حكومات الدول الدائنة أنشئ في باريس عام 1956)، قد أطلقاها في أبريل 2020.

بهذا المعنى تبدو مقاربة مجموعة العشرين لمعالجة الوضع المالي الاستثنائي للدول النامية المدينة، متماشية مع الإجراءات التي يتخذها عادة صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، في مثل هذه الحالات، وهي إعادة جدولة الديون مع الإبقاء على فوائدها، وتقديم بعض القروض الطارئة، وتنفيذ سياسات تقشفية، ودعم لا محدود للدائنين في رفضهم فكرة شطب بعض هذه الديون للتخفيف من عبء سدادها.

لذا، فإنه من المرجح جداً أن يكون هذا الموضوع مطروحاً بنفس الإلحاح في القمة المقبلة لمجموعة العشرين التي ستستضيفها العاصمة الإيطالية روما خلال الفترة من 30 إلى 31 أكتوبر 2021. وقد تجد المجموعة نفسها مضطرة للاتكاء على بعض مسوغات القانون الدولي، لتبرير تخفيف عبء هذه الديون التي باتت تُثقل كاهل الجميع في العالمين النامي والمتقدم على حد سواء، ومنها القوة القاهرة، وحالة الضرورة القصوى، والتغيير الجذري في الظروف. وهذا سيضع دول مجموعة العشرين أمام تحدي الوقوف بتصميم مثابر للتحرك لإقناع نادي باريس، ونادي روما، وصندوق النقد والبنك الدوليين، بتأمين الدعم العلني لقرارات القمة. 

جدير بالذكر أن لوبياً عالمياً يضم 550 منظمة من 90 دولة، ويتخذ منذ عام 1990 من بروكسل مقراً له، يضغط باستمرار من أجل إعفاء البلدان النامية من الديون. وهذا أدعى لدفع مؤسسات التمويل الدولية للمشاركة في مفاوضات تنفيس ضغوطات هذه الديون التي لم تعد مقتصرة على الدول النامية، وإنما تشمل الدول المتقدمة، وتحولت إلى قنبلة عالمية خانقة للاقتصادات القومية، انطلاقاً من أن موضوع الديون العالمية لم يعد مقبولاً أن يظل موضوعاً مؤجلاً.

اليوم، العالم بمجمله، قطع الخطوط الحمراء في ما يتعلق بالاستدانة فوق طاقاته الإنتاجية. وبحسب بيانات معهد التمويل الدولي (ائتلاف للبنوك أنشأه في عام 1983، 38 بنكاً غربياً في واشنطن رداً على أزمة الديون العالمية في ثمانينات القرن الماضي)، فإن تقديراته للدين العالمي بنهاية 2020، ستبلغ 277 تريليون دولار، أو 365% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وهذا يعني أن معظم دول العالم، بما في ذلك الدول المتقدمة، هي اليوم في وضع قريب من خطر التخلف عن السداد (Higher default risk).

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"