فرنسا ومستنقع مالي

00:33 صباحا
قراءة 3 دقائق

عن «اللوموند»

ماذا تفعل فرنسا في مالي؟ فبعد ثماني سنوات من التدخل العسكري الذي أطلقه فرانسوا هولاند، لوقف مصفوفة إرهابية تهدد باماكو، تبدو الإجابة عن هذا السؤال أقل وضوحاً. إن الوعد بإعادة الإعمار، بفضل حماية الجنود الفرنسيين، لدولة مالي كي تتمكن من كبح جماح التهديد الإرهابي والاستجابة لاحتياجات السكان الأمنية، والعدالة، تحطمت مع فشل الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، الذي عوقب لعدم أهليته، في أغسطس 2020، بانقلاب عسكري.

إن عمليات «سيرفال» الفرنسية ثم «برخان» التي شارك فيها 5100 جندي، أدت بالتأكيد إلى تعطيل العديد من القادة الإرهابيين، كما جعلت من الممكن تجنب كثير من عمليات التسلل بين الساحل والمستنقع الليبي، لكنها لم تمنع زيادة العنف بين المدنيين، ولا الاختراقات الإرهابية وسط مالي، ولا انتقال العدوى إلى النيجر وبوركينا فاسو المجاورتين.

وحتى قبل مقتل خمسة جنود فرنسيين مؤخراً  مما يرفع عدد القتلى إلى خمسين لفرنسا منذ عام 2013  كان خطر الوقوع في مستنقع في منطقة بحجم أوروبا، واضحاً جداً، لدرجة أن الجيش نفسه بدأ يفكر في تقييد وجوده. مثل هذا الاحتمال، الذي يصعب إضفاء الطابع الرسمي عليه في أعقاب هذه المآسي الإنسانية، لم يعد من الممكن استبعاده. وبالتأكيد ليس في شكل انسحاب فجائي، سيكون بمثابة التشجيع للإرهابيين وصدمة أخرى لبلد عانى كثيراً بالفعل، ولكن الاعتبارات العسكرية والسياسية تدفع الآن باتجاه تقليص الحجم.

أولاً: لأن عملية «برخان» تحشد عدداً كبيراً من الجنود الذين سيكونون مفيدين في أماكن أخرى، نظراً لانتشار مسارح التوتر في عالم غير مؤكد. ويجدر أيضاً إرسال رسالة إلى السلطات القائمة، التي ليست دائماً موالية، مفادها أن حماية باريس ليست واجباً، وأن جنودها يجب أن يتولوا المسؤولية.

إن الخوف الذي حفز التدخل الفرنسي والمتمثل في موجة الهجرة والعدوى الإرهابية التي تؤثر في فرنسا من ناحية، واستيلاء الإسلاميين على دولة ناطقة بالفرنسية، مع التهديد بالامتداد إلى خليج غينيا بأكمله، يحتاج إلى إعادة تقييم. 

من ناحية أخرى، لا ترتبط أي من الهجمات الإرهابية المتعددة التي استهدفت فرنسا، بأحداث الساحل، ولا يوجد ما يؤكد أن صعود قوة المتدينين من شأنه أن يتسبب في هجرة، أكثر مما هو عليه الحال، إزاء الفوضى الحالية.

 وبينما سارعت باريس في عام 2013، إلى مساعدة الماليين في مواجهة عدو يُنظر إليه على أنه فرع من فروع الإرهاب العالمي، فإن الجنود الفرنسيين يقاتلون الآن، الإرهابيين ذوي الجذور المحلية، الذين يعيشون في صراعات الأجداد وعلى الثورة ضد غياب الدولة. إن تأثير الزعماء الدينيين في الحياة السياسية وبين العسكريين في السلطة، يجعل من الصعب تجنب تحويل جمهورية مالي إلى جمهورية إسلامية راديكالية.

وتخطط باريس الآن، للتفاوض مع «عناصر معينة» من الجماعات الراديكالية. ويستدعي هذا الأمر، الحذر الشديد من التجربة المروعة للانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وكذلك الحال بالنسبة لطموحات روسيا في إفريقيا التي هي على استعداد للاستفادة من الانتكاسة الفرنسية، لكن كسر الجمود للخروج من مستنقع مالي، إذا كان الأمر يتعلق بالضرورة بفرنسا، لا يمكن أن يكون عسكرياً فقط. وسياسياً، يجب أن تراعي كل الحساسيات التي تتعايش في هذا البلد للحفاظ على الحريات الديمقراطية المكتسبة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

صحيفة لوموند

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"