في القرار السيادي

00:37 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.ناجي صادق شراب

لا يوجد تعريف متفق عليه بالمطلق للقرار السيادي، ولكن توجد قرارات تؤشر للسيادة: كيف ومتى وأين تتخذ الدولة أو الحاكم القرار السيادي. القرار السيادي منبعه المصلحة العليا التي يحددها الحاكم، من خلال رؤيته الشمولية المدعومة بالعديد من المحددات والوقائع التي تفرضها الاعتبارات الأمنية والجغرافية والاقتصادية والمجتمعية وموازين القوى الإقليمية والدولية، وكيف يرى الحاكم التهديدات التي تهدد بقاء وأمن دولته وشعبه. ولذلك توجد قرارات متفق عليها تعبر عن القرار السيادي، كقرار إعلان الحرب، وإرسال القوات المسلحة، وتقديم المساعدات العسكرية، أو دعم دولة ما في صراع ونزاع في تطوره مساس بأمن الدولة، وقرار الاتفاقات الدبلوماسية، وقرار السلام وإقامة معاهدات السلام، والعلاقات مع الدول الأخرى.

 وهذا المفهوم ينطلق من عدم ثبات حالة العداء والصداقة، ومن توسيع مصالح الدولة، ومن رؤية الحاكم للدور والمكانة التي تتطلع إليها الدولة.

 وفي كتابه «اللاهوت السياسي» يعرّف كارل سميث الحاكم السيادي بقوله: «هو الذي يقرر في حالة الاستثناء». وهنا تبرز قوة القيادة وصدق وبصيرة الحاكم. وهو يشير إلى المهام الملقاة على عاتق الحاكم السيادي، وليس تحديداً مطلقاً لمفهوم السيادة. والتي عرفها هوبر بالسلطة العليا والكلية والمطلقة وغير القابلة للتجزئة، وهو تعريف نظري وصفي.

هذا ويعتبر سميث حالة الاستثناء قراراً بما تحمله الكلمة من معانٍ. والدولة لديه إذا لم تكن مجرد وهم أو واجهة للتحالفات الفئوية والمصالح الخاصة، لا بد أن تكون صاحبة سيادة مطلقة على أراضيها ومواطنيها. وتعريفه للسيادة هنا يتصل بالحالات الاستثنائية الحادة والحرب والسلام أكثر تعبيراً عنها. واتخاذ القرار السيادي مهمة الحاكم والقائد. فالذي يجعل السيادة تؤخذ في الحسبان هي حالة الاستثناء، بقوله كيف يتحرر الحاكم من القيود القانونية لممارسة حقه السيادي، ويقول: «إن الدولة تعلق القانون في الحالات الاستثنائية على أساس المحافظة على حقها في المحافظة على الذات والبقاء ودرء التهديدات الخارجية وحتى الداخلية». ولذلك فإن سلطة الدولة التي تعلو على الكل تخوّل لها أن تعلن عن حالة الاستثناء حفاظاً على ذاتها. والحاكم هو من يقرر حالة الاستثناء في شموليتها، فهو من يقرر ما هي الأخطار التي تتهدد الدولة، والدوافع لإقامة التحالفات والسلام وما الذي يحفظ وجودها. 

 والتساؤل أين يكمن جوهر السيادة؟ الحاكم، وفقاً لسميث هو الذي يقرر وضع الاستثناء، فالحاكم من هذا المنطلق يحتكر سلطة اتخاذ القرار في إعلان حالة الاستثناء؛ حيث الاستثناء جوهر سلطته، فالاستثناء أمر غير قابل للقياس. وقد تثير السيادة إشكاليات كثيرة من منظور سيادة الدولة الأخرى. فسيادة الدولة أحد أهم مقومات وركائز نظرية الدولة التي تقوم على علاقة أركان الإقليم والشعب والسيادة. ويفترض أن الدولة تملك القرار السيادي على إقليمها وشعبها فقط، وفي إقامة العلاقات مع غيرها من الفواعل الدولية أو حتى من غير ذات الدول. وهذا يعني أن الدولة لها سيادة مطلقة في إدارة شؤونها الداخلية والخارجية وفقاً لرؤيتها لمصالحها القومية العليا.

 إذن المحدد لسيادة الدولة هو المصلحة القومية التي تتحدد بالبقاء والوجود والأمن ورفاهية شعبها. والسيادة لها مظاهر كثيرة داخلياً وخارجياً، فداخلياً لا قيود على سيادة الدولة، وخارجياً السيادة تحدها سيادة الدول الأخرى. فالدولة عندما تقيم علاقات سلام وتحالفات مع الفواعل الأخرى فهذا حق لها وتعبير عن سيادتها، ودون ذلك يعتبر انتقاصاً لسيادتها وإلغاءً لوجودها وماهيتها كدولة كاملة، وانتقاصاً من الحاكم السيادي. والسيادة ممارسة فعلية أكثر منها نظرية. وسيادة الدولة تحكمها سيادات الدول الأخرى والتي لكل منها مصالحها القومية، وهذه المصلحة لا تتحقق بالاعتماد فقط على القدرات الذاتية للدولة ذاتها والتي تبقى محدودة، وإنما تكتمل بالتفاعل والالتقاء في المصالح بين الدول التي تلتقي مصالحها تجاه تهديدات مشتركة.

 العالم الذي تحكمه السيادة والمصالح تحكمه الرؤية المشتركة لمصادر التهديد المشتركة. فقد تشكل دولة أخرى مصدراً مشتركاً للتهديد لأكثر من دولة، ومواجهة هذا التهديد قد تستلزم وتفرض حالة استثنائية في العلاقات والقرارات السيادية التي يتخذها الحاكم.

 ويبقى أن الدولة لا ترهن بقاءها ووجودها بمصالح الآخرين وماذا يريدون، ولا يعني أن تتنازل الدولة عن التزاماتها القومية مع الدول التي تنتمي لنفس المنظومة كالالتزام الأمني العربي، ودعم القضايا العربية المشتركة كالقضية الفلسطينية مثلاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"