مراجعات 25 يناير

00:39 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السناوي

بعد عشر سنوات كاملة على الحوادث العاصفة، التي جرت في (25) يناير (2011)، تحتاج مصر إلى مراجعة حقيقية موثقة بقدر ما هو ممكن لأسباب ودواعي سقوط نظام مبارك.

كانت النهايات محتومة، لكنها طالت واستغرقت وقتاً طويلاً.

 بقوة الصور ورسائلها بدا الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك غير قادر على ممارسة صلاحياته، ولا كان خطابه السياسي متماسكاً، أو مقنعاً، لكنه تمكن من البقاء في السلطة لخمس سنوات أخرى بفضل اتساع هامش الحريات الصحفية والإعلامية.

 سألت آخر وزير إعلام في عهده «آنس الفقي»: من المستفيد الأول من هامش الحريات الصحفية والإعلامية؟ قال بلا تردد: «النظام طبعاً».

 هناك من توقع «ثورة جياع»، بالنظر إلى تزايد الاحتجاجات أمام المخابز ومستودعات أنابيب الغاز، أو «انتفاضة خبز جديدة» كما في يناير (١٩٧٧)، أو «حريق قاهرة آخر» على النحو الذي جرى في يناير (١٩٥٢).

 لم يخطر ببال أحد إطاحته بثورة شعبية تتصدرها الأجيال الجديدة تدعو إلى نظام ينسخ الماضي ويلتحق بعصره.

جاء التغيير في «يناير» من خارج السياق السياسي، الذي همشت منابره واخترقت أحزابه. كانت تلك نقطة قوة من حيث اتساع الحشد والتعبئة، ونقطة ضعف من حيث ما بدا أنه فراغ قيادي سهل اختطاف الثورة على يد جماعة الإخوان المسلمين. كانت الجماعة آخر من دخل ميدان التحرير، وأول من خرج منها.

 كان طبيعياً في بلد محوري مثل مصر أن تتدخل أجهزة استخبارات دولية لتوظيف الأحداث الكبرى وفق مصالحها الاستراتيجية، أو على الأقل خفض فاتورة المخاطر على تلك المصالح. غير أن ذلك لا يعني أن الفعل الثوري نفسه مؤامرة وأسبابه «نكسة».

قيمة «يناير» في التاريخ أنها عكست الإرادة العامة التي لا سبيل لتحديها بقدر ما طمحت إلى الانتقال لعصر جديد أكثر عدلاً وحرية وكرامة إنسانية.

 قبل يناير تبدت حالة غضب بين الأجيال الجديدة وجماعات المثقفين وكل ما له قيمة في البلد، استقطبت المشاعر العامة حتى بدا النظام كله في العراء السياسي.

 لم يكن الجيش في وارد الصدام مع الإرادة الشعبية للدفاع عن نظام فقد شرعيته. ولم يكن هناك ظهير سياسي يؤيد «مبارك» في لحظاته الأخيرة، فقد انهار حزب السلطة مع أول هتاف في ميدان «التحرير». ما هو مصطنع يسقط في كل اختبار.

 أحد أسباب ذلك السقوط التعويل على الأمن وحده؛ لضمان استقرار النظام وأن فيه الكفاية لمنع أي خطر على وجوده دون حاجة إلى أية ركائز أخرى تثبته.

 لمدة خمس سنوات قضاها نائباً للرئيس في ظل «أنور السادات» تولى الملف الأمني، وهو رجل أمن يفهم فيه ويبالغ في اعتباراته على حساب أي شيء آخر.

 بعد محاولة اغتياله في «أديس أبابا» منتصف تسعينات القرن الماضي مال إلى تركيز إضافي على الأمن، غير أن نقطة التحول الجوهرية رافقت الانتخابات الرئاسية عام (٢٠٠٥).

  لم يكن «الحزب الوطني الديمقراطي» حزباً حقيقياً بقدر ما كان تجمعاً لأصحاب المصالح يلتصق بالسلطة، أي سلطة.

 في لحظة الثورة بدا الانكشاف كاملاً للبنية السياسية المصطنعة. بقدر ما تكون الحياة السياسية صحية وقابلة لاكتساب الثقة العامة فإن قواعد النظم تتأسس على أرض صلبة.

لم يعصم النظام من السقوط ارتفاع معدلات النمو، فهو لا يغني عن التنمية الحقيقية.

بالأرقام تجاوزت نسبة النمو حاجز ال(٧٪)، وهي نسبة لا مثيل لها في التاريخ المصري المعاصر، غير أنها لم تمنع الانفجار الاجتماعي الذي أطاح النظام كله.

ذهبت عوائد النمو إلى طبقة رأسمالية متوحشة توغلت في الفساد وجنت أموالها من زواج السلطة بالثروة.

في الغنى الفاحش بغير إنتاج حقيقي والفقر المدقع بغير أمل بالحياة تعمقت التناقضات إلى حدود استدعت قلقاً داخل قطاع الأعمال الخاص نفسه.

بحكم خبرته المباشرة لم يكن الرئيس الأسبق «مبارك» يجهل حقائق القوة، غير أنه لم يكن حازماً في وقف مشروع التوريث، وترك التفاعلات تمضي إلى نهاياتها المحتومة.

في اللحظة التي استهترت بعض أطراف «أمانة السياسات» بحقائق القوة دفعت الثمن فادحاً في «يناير» (2011)، على ذات القدر الذي دفعته الجماعة في «يونيو» (2013).

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"