وقود النمو

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين


طلب محدثي، وهو رجل أعمال أجنبي متنقل بين الإمارات وموطنه في أوروبا لقاءه بعد أشهر طويلة على لقائنا السابق، وافقت، وكان اللقاء في مقهى بدبي، يحمل اسماً سمعت به للمرة الأولى.
كان مقهى حديث التصميم، ذا إطلالة ساحرة على مياه الخليج، وخلفه مبان وأبراج شاهقة، بدأت أنوارها بالتلألؤ مع قرب الغروب، قال لي على الفور: هل زرته في السابق؟ أجبت بالنفي، فرد: «وأنا أيضاً»، إذ يبدو أنه افتُتِح حديثاً قبل أسابيع، لنسأل النادل الذي أكد أن الافتتاح كان في ديسمبر بالفعل.
قال لي رجل الأعمال بصيغة السؤال الإجابة: أين تجد في العالم، في زمن الجائحة، أحداً يدشن أعمالاً جديدة؟ وأردف: في بلدي، الجميع «متقوقعون» منكفئون على أنفسهم، ويقلصون أعمالهم التجارية، وفي الإمارات الأعمال تتوسع وتنمو، حيث الكثيرون شهيتهم مفتوحة على الاستثمار وإطلاق أعمال جديدة.
أضاف: قد لا يستطيع هذا المستثمر أن يحقق الأرباح في أيامه الأولى، وقد يخسر قليلاً في البداية، لكن صاحب الاستثمار مؤمن بالمستقبل، ومؤمن بأن الحكومة هنا ستوفر له التسهيلات كافة لضمان نجاحه، وتوسيع أعماله.. هذا ما يُوَلِّدُ لدى المستثمرين والمستهلكين معاً «الثقة» بالمستقبل، والأخيرة تأثيرها مضاعف، بل هي الكلمة السحرية لنمو الأعمال. 
«المشاعر الإيجابية» أو «المعنويات» أو «المزاج»، كلمات تحمل المعنى ذاته، فإذا كانت عالية وإيجابية تحقق النمو، وإذا كان العكس ساد الركود، فهي تشجع المستهلكين على الشراء والاقتراض، وتحفز الشركات على التخطيط والاستثمار. ولكن عندما تكون في الاتجاه المعاكس، يمكن للمشاعر السلبية أن تعوق الإنفاق، وتقيد الأنشطة، وتخنق النمو. بالنسبة لاقتصاد يسعى إلى إحياء نفسه، لا يمكنه أن يُنفِّذ خططه واستراتيجياته إلا إذا كان مزاج المستهلكين والمستثمرين مزدهراً، عندها تتغير الأمور، ويرتفع الطلب، وتزداد وتتوسع المصانع والشركات، وتخلق الوظائف، ومعها يرتفع الإنفاق والاستهلاك المَحَلِّيان.
قال محدثي، عندكم في الإمارات استطاعت الحكومة تجاوز آثار الجائحة بسرعة، أطلقت حزم التحفيز، وزادت الإنفاق، وعززت إجراءاتها الاحترازية الصحية، وتقدمت العالم في الفحوص واللقاحات، والأهم أنها كانت مرنة، تعاملت مع الجائحة طبقاً لتطوراتها، شددت الإجراءات عندما كان الأمر يتطلب ذلك، وخفضتها عندما وجدت التزاماً، وأعادت تشديدها لمواجهة متغيراتها، وهكذا، فالمرونة بالقرارات الحكومية أساس النجاح. 
قال محدثي: «كوفيد-19» لن يختفي بين ليلة وضحاها، سيبقى مع البشرية لسنوات، وعلينا مواجهته والانتصار عليه، كما انتصرنا على أنواع كثيرة من الفيروسات، فعلينا التعايش معه، إذ لا يمكن للحياة أن تتوقف، وللاقتصاد أن يتقلص، وإلا ستكون أزمتنا أضعافاً عدة، حتى أعتى الحكومات لن تكون قادرة على معالجتها.
ويضيف: إعجابنا في الإمارات أنها استطاعت من رحم هذه الجائحة أن تولد الثقة، وأن ترفع المعنويات، للمضي قدماً في مستقبلها الذي ترسمه بحرفية ورؤية سباقة.
انتهى الحديث، وزاد المكان روعة مع حلول المساء، وإضاءة الأبراج تحكي لك قصة مدينة تنضح بالحياة. 
خلاصة الكلام: الثقة والمعنويات والمشاعر الإيجابية هي وقود النمو.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"