الغرب يريدها ملوّنة في موسكو

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

«الثورات الملونة»، أو البرتقالية، كما توصف أحياناً، وسيلة الغرب المجربة في إضعاف النفوذ الروسي في محيطه الجيو سياسي بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وهي وسيلة آتت أُكلها في أكثر من مكان، في مقدمتها أوكرانيا، حيث أوصلت إلى سدة الحكم فيها نخبة سياسية – اقتصادية متمردة على موسكو، وحاولت أن تفعل شيئاً مشابهاً في جورجيا، وكانت المحاولة الأخيرة في بيلاوروسيا حليف روسيا الأقرب.
لكن الغرب يريد ما هو أكثر. يريد أن يرى ثورة ملونة في روسيا نفسها، تكون «أجدى» وأكثر فعالية في كسر إرادة موسكو من العقوبات الاقتصادية، والتمدد العسكري لحلف «الناتو» في المحيط الروسي، كبولندا وجمهوريات البلطيق. وفي هذا السياق يمكن قراءة التظاهرات التي جرت في مدن روسية، بما فيها العاصمة موسكو، السبت الماضي، وليس واضحاً بعد ما إذا كانت ستستمر أو يجري احتواؤها بعد تفريقها بالقوة واعتقال آلاف من المشاركين فيها حسب المصادر الغربية.
طبعاً لا يمكن إغفال الصعوبات الاقتصادية والسياسية الداخلية، ومظاهر التذمر الشعبي منها، التي يمكن أن تشكل روافع يجري توظيفها في أي احتجاجات على «الكرملين» وسياساته، ويمكن أن نجد مثالاً في القول التالي لروسي خمسيني شارك في التظاهرات ما يلخص ذلك: «لم أحضر لنفسي ولنافالني، ولكن لابني لأنه لا يوجد مستقبل في هذا البلد».
 لم يكن مفاجئاً اعتقال نافالني بعد عودته، التي سلط الإعلام الغربي عليها الأضواء الإعلامية، ولم يكن مفاجئاً أيضاً أن نافالني هو من دعا إلى تظاهرات السبت، فالمحللون الغربيون، قبل الروس، لاحظوا أن توقيت عودة المعارض الروسي إلى موسكو، الذي كان نقل إلى ألمانيا للعلاج بعد أن اتهم السلطات بتسميمه في محاولة لقتله، توقيت مقصود، مع بدء ولاية الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، الذي أعلن أنه لن يواصل ما وصفه بسياسة «المهادنة» التي اتبعها سلفه الجمهوري دونالد ترامب مع «الكرملين».
تتناغم سياسة الحزب الديمقراطي، العائد للبيت الأبيض منتشياً، مع رغبات قوية لدى أعضاء «الناتو» الأوروبيين، أو على الأقل البعض منهم، الذين يرون في موسكو مصدر «الخطر» الأكبر عليهم، وربما لا يشاطرون الأمريكيين في تضخيم «الخطر» الصيني، ويمكن ملاحظة ذلك في ردود الفعل الغربية على اعتقال نافالني وعلى التظاهرات التي دعا إليها، سواء من الولايات المتحدة نفسها، أو من الاتحاد الأوروبي، ومن دول بعينها، بينها بريطانيا.
يبقى أن يدرك الغرب، على الأرجح، أن روسيا ليست أوكرانيا أو بيلاروسيا، وأن رجل «الكرملين» ليس من النوع الذي يُملى عليه.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"