ديمقراطية مشوّهة

00:32 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

إذا كانت الديمقراطية تعني حكم الشعب، وإذا كان ذلك يتحقق من خلال آليات وأدوات محددة، من أهمها الانتخابات وسيادة القانون وحرية التعبير والمساءلة والشفافية وتداول السلطة، فهل يعتبر هذا النظام هو النظام المثالي الذي يحقق فعلاً حكم الشعب؟

 الكثير من الدول تأخذ بالديمقراطية نظاماً لها، وتمارسها بأشكال مختلفة.

 ومن خلال ما نراه في العديد من دول العالم الغربية المتقدمة، وفي دول العالم الثالث، ومن بينها بعض دولنا العربية، فإن الديمقراطية تعاني عجزاً حقيقياً في تمثيل رأي الناس ومصالحهم، إما نتيجة خلل في الأنظمة الانتخابية المعمول بها، لأن بعضها وضع وفق مقاييس محددة لخدمة طبقة سياسية أو طائفية معينة، أو لأن النظام الانتخابي صار متقادماً ومترهلاً ومعقداً، ولم يعد يصلح للمرحلة الراهنة، أو لأن الأحزاب السياسية تطرح برامج سياسية واقتصادية واجتماعية مغرية وفضفاضة لدغدغة مشاعر الناخبين، وهي غير قادرة على الوفاء بها، وهذا شكل من أشكال التدليس السياسي.

 لقد كشفت الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، وما تخللها من سلوك سياسي، وما حفلت به من أعمال عنف وعمليات تحريض عنصرية، وصلت إلى حد «غزو مبنى الكابيتول»، عن أن الديمقراطية الأمريكية ليست بخير، وأن المجتمع الأمريكي ليس متماسكاً، وأن النظام الديمقراطي يحتاج إلى مراجعة وتعديل، كي لا يتكرر ما حدث، ويصبح الانقسام المجتمعي عصياً على التجسير.

 إذا كان هذا هو حال الولايات المتحدة، فإن الدول الأوروبية ليست أحسن حالاً، إذ إن الأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرفة استطاعت من خلال الديمقراطية أن تحقق مكاسب ليست هينة في الانتخابات، وباتت تحكم في أكثر من بلد، مستندة إلى شعارات تستهوي الناخبين، وتعبر عن رأيهم، فيما تراجعت الأحزاب الديمقراطية الحقيقية لأنها عجزت عن أن تكون المعبر الحقيقي عن مصالح الناس. 

 وكلنا نذكر أن النازية والفاشية في ألمانيا وإيطاليا فازتا بالانتخابات في ظل الديمقراطية في ثلاثينات القرن الماضي، وقادتا العالم إلى الحرب العالمية الثانية. 

 في واقعنا العربي، هناك ديمقراطيات في بعض الدول العربية، بعضها قديم، وبعضها استجد مع ما سُمي «الربيع العربي». وإذا أخذنا نماذج لبنان والعراق وتونس، فإننا نقف أمام ديمقراطية مشوهة، لا علاقة لها بحرية الاختيار ولا بالتمثيل الشعبي، لأن الأنظمة الانتخابية في هذه الدول مفصلة على قياسات طائفية ومذهبية، أو لخدمة أحزاب سياسية بعينها، بحيث يتم تفريغ الديمقراطية من معناها الحقيقي.

 يقول الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو «رصيد الديمقراطية الحقيقي ليس في صناديق الاقتراع فحسب، بل في وعي الناس». ويقول الرئيس الأمريكي الأسبق توماس جيفرسون «لا تزيد الديمقراطية على كونها حكم الغوغاء، حيث يمكن لواحد وخمسين في المئة من الشعب استلاب حقوق التسعة والأربعين الآخرين».

 الديمقراطية ثقافة، وبقدر وعي الناس بها تكون صحية، حتى لا يتحقق قول برنارد شو «من عيوب الديمقراطية أنها تجبرك على الاستماع إلى آراء الحمقى».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"