عوالم السحر

00:09 صباحا
قراءة دقيقتين

علاء الدين محمود

أول ما يخطر في بالنا عند تناول قضية «الموروث الحكائي العربي»، هو ذلك الكم الهائل من المرويات والقصص الشعبية والأساطير والخرافات والغرائبيات التي يحتشد بها ذلك الإرث الحضاري الكبير، والتي أسهمت إسهاماً كبيراً في حياة الشعوب العربية؛ بل من الواضح أن تلك الحكايات في صورتها الشفاهية الأولى، ثم بعد مرحلة التدوين، هي التي شكلت الإنسان العربي ومدته بخواص معينة، بما تحمله من رموز وقيم إنسانية وأخلاقية كبيرة، فتلك المرويات بحمولتها وُظفت في تربية الأجيال المتعاقبة.

تتميز الحكاية الشعبية بالثراء والتعدد من حيث المواضيع، فمنها الأسطوري الذي يحفل بالغرائبيات، وهناك الواقعي الذي يتمتع بالسمات والطابع الاجتماعي، فشواغلها وموضوعاتها منحصرة في مواضيع البطولة والشجاعة وصراع الخير والشر والعائلة، وهنا تبرز أهميتها، حيث تتجاوز دور التسلية والإمتاع، إلى الوعظ والإرشاد، فصارت معيناً لا غنى عنه في التنشئة الاجتماعية وغرس نوع معين من القيم التي تظهر في شكل العادات والتقليد الاجتماعية.

شكلت تلك المرويات الشعبية قوام الأدب العربي الكلاسيكي، لكنها لم تتعرض للدراسات إلا في الغرب مع ظهور المستشرقين، حيث أصبحت موضوعاً للبحث بالنسبة لهم، فقد عُدت مصدر إلهام كبيراً للأدب الغربي الحكائي القديم في شكله النثري والشعري، ويعتقد كثيرون بتأثر تلك القصص في كثير من الملاحم، وغير ذلك من أعمال مثل «علي بابا والأربعون لصاً»، و«رحلات السندباد البحري السبع»، و«كليلة ودمنة»، و«علاء الدين والمصباح السحري»، وغيرها، وكذلك استفاد منها الأدب الغربي لاحقاً في اتجاهه نحو ما صار يعرف بالسرد الحديث، حيث خضعت لدراسات معملية من أجل البحث حول التأويلات الممكنة للنص الحكائي الشعبي، وكيفية الاستفادة منه في النص السردي الحديث، وكذلك جرت دراسات نقدية حديثة تبحث في عملية استجلاء النصوص الحكائية القديمة، من أجل الوصول إلى مكوناتها وأنساقها غير المكتشفة.

وفي العالم العربي، على الرغم مما ظل يردد دائماً من أن الرواية العربية اعتمدت على الصورة الغربية للسرد تماماً، نجد أن الأعمال العربية في مجال الأدب الروائي قد استفادت من كثير من تقنيات الحكاية الشعبية، خاصة مسألة الراوي أو الصوت الواحد الذي يسيطر على مجرى الأحداث في العمل، وكذلك الحوارات، والاستفادة من قصص الحيوانات.

ولئن اشتهرت كثير من القصص والحكايات الشعبية العربية، فإن حكاية «ألف ليلة وليلة»، وجدت صدى واهتماماً وتناولاً خاصاً ومختلفاً في الغرب بمختلف مدارسه السردية. ويرى كثير من النقاد أن ذلك العمل يحتفي بالحكاية نفسها، خاصة أن مقدمة كل قصة من قصصه تبدأ بلازمة «يحكى أن». وقد ترجمت إلى مختلف اللغات في العالم منذ القدم، ونقلت إلى الثقافة الغربية مع نشاط حركة الترجمة في أواخر القرن الثامن عشر، ففي الأدب الإنجليزي كانت تعرف ب«الليالي العربية»، وقد كان لها أثرها الحاسم والكبير في السرد الغربي الحديث، فالكاتب الإسباني الكبير لويس لانديرو، يرى أن قصص تلك الحكاية العظيمة المستمدة من الموروث العربي القديم، كانت مصدر إلهام لكثير من مبدعي الأدب الإسباني، وأن رواياته حملت أشكالاً وألواناً من هذا السفر النثري الإنساني المملوء بالرؤى والخيال الخصب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

صحفي وكاتب سوداني، عمل في العديد من الصحف السودانية، وراسل إصدارات عربية، وعمل في قنوات فضائية، وكتب العديد من المقالات في الشأن الثقافي والسياسي، ويعمل الآن محررا في القسم الثقافي في صحيفة الخليج الإماراتية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"