فيدرالي بايدن في اجتماعه السياسي والاقتصادي الأول

23:03 مساء
قراءة 4 دقائق

محمد العريان*

ستجتمع أعلى لجنة لصنع السياسة في الاحتياطي الفيدرالي هذا الأسبوع في مواجهة تيارات متقاطعة كبيرة، فما هي أفضل السبل لتحقيق التوازن بين النظرة الاقتصادية الباهتة قصيرة الأجل، وبين نظرة أكثر إشراقاً على المدى الطويل؟ وكيفية الحفاظ على سياسة نقدية تحفيزية للغاية على الرغم من احتمالات التوسع المالي الكبير.

في حين أنه من المرجح أن يخطئ بنك الاحتياطي الفيدرالي مرة أخرى إلى جانب حذره الشديد، فإن القضايا المرتبطة بالاقتصاد والسوق ستزيد من تحديات القيام بذلك.

مع كون بيانات يوم الجمعة من مديري المشتريات استثناءً ملحوظاً ومرحباً به، تشير تقارير اقتصادية أخرى بالمقابل إلى تباطؤ التعافي الاقتصادي الأمريكي. حيث يسلط ضعف سوق العمل وعقود مبيعات التجزئة، الضوء على قطاع الخدمات الذي يتعرض للضغط مرة أخرى، بسبب الاضطرابات المباشرة وغير المباشرة المتعلقة ب «كوفيد-19».

وبالرغم من أن الإجراءات المتعلقة بالفيروس التي أعلن عنها مؤخراً الرئيس جو بايدن مطلوبة بشدة من أجل رفاهية الصحة العامة والاقتصاد في أمريكا على المدى الطويل، من المرجح أن تحد أيضاً من السفر والأنشطة الأخرى في الأسابيع المقبلة. وفي الوقت نفسه، تسقط أوروبا في الركود الثاني، لدرجة يقال إن ألمانيا تفكر في خفض توقعاتها لمعدل النمو لعام 2021 من 4% إلى حوالي 3%.

تتسارع وتيرة نشر اللقاح، مصحوبة بجهود إدارة بايدن الأكثر جدية والأفضل تنسيقاً لإبطاء انتشار العدوى. وبالنسبة للسلالة الجديدة من كورونا، وعلى الرغم من كونها مصدر قلق، يبدو أنها لن تقضي على التأثير المفيد للتطعيم.

في الشق السياسي، يعتبر تصميم الحزمة المالية الأولى لبايدن، وتدفق الأوامر التنفيذية التي سبقت نظر الكونجرس فيها، علامات على أن الإدارة الجديدة تتفهم وتتصرف بناءً على أهمية ونوع النهج متعدد الجوانب الذي تمت مناقشته في مقالاتي السابقة، أي التحرك مبكراً وإحراز تقدم يتزامن مع إغاثة الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع، ومحاربة «كوفيد-19»، وتخفيف حدة انعدام الأمن المالي للأسر. أما العنصر الرابع والحاسم في مثل هذا النهج السياسي الشامل، فهو اتخاذ تدابير لتحسين الإنتاجية وإمكانات النمو، وستتم تغطية ذلك بالحزمة المالية الثانية التي حددها بايدن في فبراير/شباط القادم.

بالنظر إلى الظروف المالية الحالية والأدلة المتضاربة على الإفراط في المخاطرة في الأسواق، يُتوقع أن يميل بنك الاحتياطي الفيدرالي نحو تغيير سياسته النقدية الفضفاضة قليلاً باتجاه التقليل المبكر والمتدرج، حيث يمر الاقتصاد بصعوبات قصيرة الأجل بالتزامن مع الحافز المالي الجديد.

وقد تعززت حالة الميل هذه من خلال القلق المشروع من أن الأسواق قد تعرضت للتشويه، بسبب سنوات عديدة من الوفرة وضخ السيولة المتوقعة، ما أدى إلى انفصالها بشكل مفرط عن الأساسيات، وتأجيج المخاوف الكبيرة أصلاً بشأن عدم المساواة.

مع ذلك، من غير المرجح أن يقوم بنك الاحتياطي بهذه الخطوة في اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة هذا الأسبوع، حيث يشعر بالقلق من أن تغيير سابق لأوانه في التوجيهات المستقبلية، قد يتسبب في اضطرابات السوق المالية التي من شأنها أن تقوض الاقتصاد الذي يواجه تلك التوقعات الباهتة قصيرة الأجل.

في الواقع، من المرجح أن يحافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي على توجهه الحالي، وإبقاء السياسة النقدية فضفاضة للغاية لمدة عام آخر على الأقل، إن لم يكن أطول.

لكن مثل هذه التوجيهات تقابلها أسئلة متزايدة في مواجهة اقتصاد أكثر إشراقاً على المدى المتوسط، وأسواقاً مالية مُزبدة، وتوسعاً مالياً كبيراً قادماً.

وبالنظر إلى التقديرات العقلانية للدعم الاقتصادي المنتظر جراء فك الكبت عن الأشخاص والعائلات بعد التطعيم الفعال، وافتراض إقرار الكونجرس لمعظم خطط بايدن المالية، فإن ضخ الطلب المتزايد في الاقتصاد يمكن أن يصل إلى حوالي 20% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، وربما أكثر. ونظراً لأن جانب العرض من غير المحتمل أن يُظهر نفس القدر من المرونة على المدى القصير، فإن الزيادة في مستوى السعر الإجمالي في عام 2021 يمكن أن تتجاوز هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%.

في مثل هذه الظروف، قد يرجح العديد من الاقتصاديين القلقين بشأن الندوب الاقتصادية طويلة المدى، أن يكون الأمر تعديلاً للأسعار لمرة واحدة بدلاً من بداية عملية تضخم مزعزعة للاستقرار.

سينظر بنك الاحتياطي الفيدرالي وبسرعة إلى التعديلات الأخيرة على إطاره النقدي باعتبارها تستهدف متوسط معدل التضخم، وعلى هذا النحو، سيسمح بانحراف أعلى من 2% لفترة وجيزة. ولكن هل ستستجيب الأسواق مبكراً وبالكامل؟ وإذا لم يفعلوا ذلك، فإن الضغط المتزايد المحتمل على عائدات السندات الحكومية طويلة الأجل سيصطدم بالبنك نفسه، ويسبب معضلة سياسية أكثر صرامة، وهي المخاطرة بتعطيل الأسهم وأسواق المخاطرة الأخرى أو إجبارها على تحكم أقوى في منحنى العائد، مع التهديد المصاحب بمزيد من الآثار غير المباشرة المشوهة لكفاءة أداء السوق وإشارات الأسعار وتخصيص الموارد.

في مواجهة كل هذه التيارات المتقاطعة، يأمل بنك الاحتياطي الفيدرالي في تنظيم اجتماع سياسي، يتناسب وتطلعات الأسواق هذا الأسبوع. ومع ذلك، لا ينبغي أن يؤدي نجاحه في القيام بذلك إلى تشويش التحديات المتزايدة لعملية تسليم السياسة العامة من «الاعتماد المفرط» على البنوك المركزية إلى موقف سياسي أكثر توازناً، مع اتخاذ تدابير أكثر جدية لتحسين الصحة العامة. إنه محور سياسي لطالما تم التطلع إليه، ومع ذلك، كلما تأخر، ازدادت درجة الصعوبة.

*كبير الاستشاريين في «أليانز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

خبير اقتصادي وكبير المستشارين الاقتصاديين لشركة أليانز Allianz

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"