عادي

«لوكد داون» الحياة في زمن «كورونا»

23:20 مساء
قراءة 5 دقائق
Video Url
1
1

مارلين سلوم

بدأت مرايا السينما تعكس حاضرنا وأحوالنا وتغيرات الحياة التي فرضها الوباء. ولا يمكننا القول إننا شاهدنا حتى الآن فيلماً صريحاً غير توثيقي عن «كوفيد-19»، وتأثيره في المجتمعات والأفراد، لكن هناك بعض المحاولات، ومنها فيلم «لوكد داون» الذي صدر منتصف الشهر الجاري ليكون انطلاقة مختلفة مع بداية العام الجديد. الفيلم بريطاني صوّر خلال «الإغلاق التام» في لندن، ومنه استمد اسمه، وهو نموذج شديد الواقعية لما عشناه، وما زلنان في ظل الوباء، يتكئ على نجومه المميزين والبارعين في الأداء، ويسقط في أخطاء تجعل الجمهور حائراً في تقييمه.

«لوكد داون» من الأفلام التي ترغب بشدة، في مشاهدتها لأكثر من سبب، أولها أنه إنتاج سينمائي واقعي عن مرحلة صعبة تمر بها البشرية، ثانيها أنه يضم أسماء محبوبة ومعروفة ببراعتها في الأداء: آن هاثاواي، وتشويتل إيجيوفور، في ثنائية مبهرة، ومعهما بن كينجزلي، وبن ستيلر، ويمكن اعتبارهما ضيفي شرف. كاتب القصة والسيناريو، ستيفن نايت، اختار أن يكتفي بأجواء الحجر أو العزل المنزلي والإغلاق الكامل من دون التطرق إلى الوباء، أو الدخول في تفاصيله، أي أنه اتفق مع المخرج الأمريكي دوج ليمان، على تقديم الحياة الاجتماعية في زمن الوباء والابتعاد عن كل ما له علاقة بالصحة، وحقيقة الفيروس، أو أعراضه.
هل هو فعلاً فيلم «رومانسي كوميدي وجريمة» كما تم تصنيفه؟ طبيعة الفيلم غريبة نوعاً ما، حائرة بين الدراما والرومانسية، مع بعض المواقف الطريفة إنما لا تصل إلى حد الكوميديا، ثم يختم الربع الأخير منه ببعض «الأكشن»، وتغيب عنه «الجريمة» بشكل تام.
مشاهد غير مناسبة
 من مميزات الفيلم أنه واقعي، لا خيال فيه، ولا تحليق في عالم الغيب، إنما يؤخذ عليه في الوقت نفسه أنه يتخبط في فوضى تربك المشاهد، فلسفي أحياناً، و«مسرحي» في بعض المونولوجات التي تؤديها هاثاواي أكثر من مرة، ولشريكها إيجيوفور حصته بالمثل. 
هذه المشاهد وإن كانت غير مناسبة لفيلم سينمائي، إلا أنها أتاحت للبطلين تقديم أداء وصلا فيه إلى القمة، كأنهما فوق خشبة مسرح وأمام جمهور حاضر، كل منهما يعيش الحالة بكل كيانه، سرعة في الكلام وفي تسلسل الأفكار تقطع الأنفاس، وتعبير قوي عن التخبط الذي يعيشه كل منهما.
باختصار، القصة تحكي عن زوجين ليندا (آن هاثاواي)، وباكستون (تشويتل إيجيوفور)، يمران بمرحلة صعبة، يعيشان معاً، ولكنهما فعلياً قررا الانفصال، ولولا «كورونا» وفرض العزل والإغلاق التام لكان أحدهما ترك المنزل. ويتعمد المؤلف نايت تقديم وجهي العزل المنزلي الذي فرضه «كورونا» على العالم: الوجه السلبي حيث اشتعلت الخلافات في البيوت بين أزواج يعانون التوتر، ويشعرون بالاختناق من العيش داخل المنزل لأيام وأسابيع متتالية، والوجه الإيجابي، وهو أن في العزلة هذه فرصة أكبر لتضميد الجراح وتصليح أي وضع أو خلل، والتشارك في أمور كثيرة داخل المنزل.
ومنذ المشهد الأول يصور المخرج الشوارع خالية تماماً، لا مارة ولا سيارات، وحدها الإشارات تتبدل من الأحمر إلى الأخضر، وصوت سيارات الإسعاف تصدح في كل مكان. باكستون يتواصل مع أخيه غير الشقيق دايفيد، وزوجته ماريا، بالصوت والصورة عبر «زوم». هذا التطبيق سيبقى يذكّرنا بالجائحة وأيام العزل لأنه انتشر بين الناس وصار الوسيلة الأولى للتواصل بينهم، ولعقد اجتماعات عمل من خلاله، وهو ما نراه فعلياً في الفيلم. ونفهم من هذا اللقاء الافتراضي أن حياة باكستون وليندا تمر بأصعب وأسوأ مرحلة، خصوصاً أنه فقد عمله بعد دخوله السجن بسبب طبعه «الشرس»، وضربه أحدهم خلال دفاعه عن النفس. فعلياً، لم نر باكستون شرساً، أو حاداً أبداً، فقد تعمد الكاتب أن يجعله إنساناً مختلفاً بعد التجربة التي مر بها، هو الآن شاعر رومانسي، يقرأ من هاتفه قصائد لشعراء مثل ت.س. إليوت، ودي إتش لورانس، وإدجار آلان بو. ويخرج إلى الشارع وينادي «زملاءه السجناء»، أي جيرانه في الشارع نفسه، وكل ما يقرأه يعبر فيه عن نفسه، كأنه يناجي ذاته. هذا التغير في شخصية باكستون من الحدة إلى الهدوء واللامبالاة، هو الذي جعل ليندا تشعر بالملل، وترفض الاستسلام الذي يغرق فيه زوجها، وهو ما يبرزه المخرج ليمان في مظهر البطل وطريقة لبسه والعبارة التي يقولها لأخيه في المشهد الأول: «لا هدف لحياتي».
مشاهد معروفة
يكرر المخرج المشاهد التي عرفناها خلال العام الماضي، حيث كان الجيران يخرجون إلى الشرفات ويتحدثون مع بعضهم بعضاً، أو يقرعون الطناجر، أو يعزفون ويغنون «تضامناً مع المصابين أو الأطباء والممرضين». ومن المشاهد المعبرة حقيقة عن هذه المرحلة الاجتماعات التي تجريها افتراضياً، وعبر «زوم» ليندا لكونها رئيسة تنفيذية لشركة «ميراكور»، تجلس بملابس أنيقة ورسمية من فوق، مع الإبقاء على بنطلون البيجاما من تحت، أحدهم يخترق طفله الاجتماع منادياً أباه، وثالث يفاجأ بابنه يكتب خلفه تعليقات مهينة مضحكة. وتفرق الزملاء ومنهم من انتقل إلى مكان بعيد عن المدينة. ومن الظواهر الاقتصادية والاجتماعية التي ألمح إليها الفيلم، قيام شركات بالإغلاق والاستغناء عن الموظفين، أو البعض منهم، كذلك تقوم ليندا بإبلاغ الموظفين قرار «ميراكور» فصلهم من دون مبرر مقنع.
كل هذه الضغوط تترك أثراً في نفسية ليندا التي تندفع فتبوح بعدة أسرار كانت تخفيها عن زوجها، ويتناوبان في لعبة إفشاء الأسرار، وكلما شعرنا بأن الخيط الذي يربطهما سينقطع، حصل ما يعيد شده من جديد إلى أن تصل علاقتهما إلى مرحلة جديدة، يكون لقرار تمديد الإغلاق مفعول إيجابي عليها. الكاتب نايت، والمخرج ليمان، أرادا أن يضيفا بهارات إلى القصة فأخرجاها من «سجن المنزل»، وأجواء «كورونا» التي لم نرها سوى في الشكل ولم نر أحداً مصاباً، فقط تتكرر كلمات تذكرنا بوجود الوباء مثل «الحرارة مرتفعة»، والنشرات الإخبارية في الخلفية، والحديث عن إصابة رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون ب«كورونا». يُخرجانا من هذه الأجواء ليدخلانا في فصل جديد مع تخطيط ليندا لعملية سرقة ألماسة قيمتها 3 ملايين جنيه استرليني من متاجر «هارودز». بعض التشويق الناجح في كسر روتين حياة الزوجين، لكنه للأسف يصل إلى نقطة اللامنطق والسذاجة في ما آلت إليه عملية السرقة، التي لن نتحدث عن تفاصيلها كي لا نحرق المفاجأة على المشاهد.
كما ذكرنا، أداء النجوم أقوى من المضمون، والإخراج، والمظاهر الاجتماعية للإغلاق حاضرة بينما الفيروس وآثاره الصحية على الناس غائبان تماماً، وهو أمر مقبول، بينما ما ليس مقبولاً ولا نفهمه هو لماذا يتم إقحام المثلية في كل فيلم أجنبي، وبلا أي ضرورة تفرضها القصة والأحداث، كأنها صارت «المقرر الإلزامي» الذي على البشرية حفظه جيداً تمهيداً لمرحلة مقبلة؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"