عادي

هيرمان ملفيل.. شكسبير أمريكا سيئ الحظ

00:10 صباحا
قراءة 4 دقائق
1

القاهرة: «الخليج»

يتفق أغلب النقاد على أن رواية «موبي ديك» من أعظم الروايات في العالم، ويحتفي بها الأمريكيون على نحو خاص، ويعدونها ملحمة أمريكية خالدة، ومن المفارقات المدهشة أن مؤلفها «هيرمان ملفيل» (1 أغسطس/آب 1819 – 28 سبتمبر/أيلول 1891) مات مجهولاً ولم تتحقق شهرته إلا في عام 1912 حين أعادت دور النشر الأمريكية طبع روايته «موبي ديك» فحققت شهرة منقطعة النظير، وتم الاحتفاء بها، واعتبارها واحدة من أهم الأعمال الأدبية الأمريكية، وانهالت المقالات والدراسات التي تحلل الرواية وتشيد بمؤلفها، الذي حظي في ذلك الوقت بلقب «شكسبير أمريكا».

في مقدمة الترجمة العربية لرواية «أومو.. مغامرات في البحار الجنوبية» لملفيل، يؤكد نصر عبد الرحمن أن «ملفيل» يكتب على غرار من سبقوه من وراد الرواية الإنجليزية، وبخاصة كتّاب المغامرات، ويتبع طريقتهم في الحبكة وأسلوبهم في السرد، إلا أنه حاول وضع بصماته الخاصة أحياناً، وتميز باعتماده على عدة مغامرات خاصة، خاضها بنفسه، مكنته من الاطلاع على الحياة في جزر «بولينزيا» جنوبي المحيط الهادي.

 أشبه بالسيرة

تتسم رواية «أومو» بأنها مثل أغلب أعمال ملفيل أشبه بسيرة ذاتية، تحكي تجاربه الخاصة، في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية، واستخدم فيها صيغة الراوي العليم، ما أتاح له كسر نمط السرد، واستعراض المعلومات التاريخية والجغرافية والسياسية، عن تلك المنطقة المجهولة، من العالم، فحين يصل الراوي إلى جزيرة «تاهيتي» يتوقف السرد الروائي، ويلجأ الكاتب إلى عبارات تمهيدية من قبيل: «سأتوقف عن سرد الأحداث السياسية وطبيعة الحكم» ثم يصدر عليهم أحكاماً مثل اتهامهم بالكسل والنفاق.

يرى نصر عبد الرحمن أن هذا الموقف يتكرر كثيراً، إلى درجة تجعل من الرواية شهادة تاريخية على طبيعة الحياة في جزر جنوبي المحيط الهادي، في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وعلى الرغم من أن تقاليد السرد الروائي تنبع من طرافة التناول وغرابة المعلومات عن عالم بدائي مجهول، بالنسبة إلى أغلب القرّاء، فإن هذه الميزة تجعل من روايته مزيجاً من أدب الرحلات وأدب السيرة الذاتية والبحث الاجتماعي التاريخي.

كان «ملفيل» يكتب بلغة إنجليزية رصينة، ينوع فيها بين اللهجتين الأمريكية والبريطانية، ويكتب الكثير من العبارات من لغات سكان الجزر المحلية، ويمكن القول إنه يتمتع بحساسية لغوية خاصة، ناجمة عن معرفته بعدة لغات، وتتسم الجمل لديه بأنها طويلة، وتتضمن الكثير من العبارات الاعتراضية، كما كان شديد الدقة في الوصف، وتلعب اللغة دوراً في تحديد المكانة الاجتماعية في جزر جنوب المحيط الهادي.

تأملات

تحمل أعمال «ملفيل» تأملات عميقة في طبيعة النفس البشرية، وعدم قدرتها على استيعاب العالم من حولها، ويلعب الرمز دوراً كبيراً في بعض رواياته، ويكشف عن موقفه من الحياة، فقد اتخذ هذا العبقري البائس قليل الحظ في الحياة موقفاً وجودياً سلبياً، ويرى أن ثمة حدوداً للقدرة الإنسانية العاجزة عن مواجهة الطبيعة وتصاريف القدر.

هذا هو الموقف الذي اتخذه «ملفيل» في الحياة حين توقف عن الكتابة، وتخلى عن طموحه، وقبل وظيفة بسيطة، وهو الموقف نفسه الذي عبر عنه رمزياً في نهاية روايته «موبي ديك».

طفولة مضطربة

ولد «ملفيل» عام 1819 بمدينة نيويورك، وعاش طفولة مضطربة، هرب من منزل الأسرة، عقب وفاة والده، وهو في ال12 من عمره، بسبب قسوة أمه، فلجأ إلى أحد أقاربه، وعمل في مزرعة يملكها، وقد عمل «ملفيل» في مهن كثيرة، أكسبته خبرة حياتية وروائية، وفي الثانية والعشرين من عمره قرر ركوب البحر، وخوض حياة المغامرة التي قرأ عنها في أثناء إقامته في المزرعة.

كانت تجربة البحر على عكس ما توقع، فقد التحق بسفينة صيد حيتان، ولم يتحمل المعاملة الوحشية على متنها، فهرب منها في أثناء وجودها في مرفأ بأحد جزر جنوب المحيط الهادي، لكن سوء حظه أوقعه في يد قبيلة من أكلة لحوم البشر، ثم تمكن من الفرار بعد أربعة أشهر، ذاق فيها الهوان.

ظل ملفيل يعمل على متن سفن صيد الحيتان لعدة سنوات، ثم عاد إلى أمريكا وتزوج سنة 1847 ونشر في العام نفسه أول روايتين كتبهما؛ وهما: «تايبي خيمة الهندي» و«أومو مغامرات في البحار الجنوبية» عن فترة عمله في صيد الحيتان، لم يلتفت النقاد أو القرّاء إلى الروايتين، وكان قد تعرض لمأساة موت طفليه في العام نفسه، فقرر السفر إلى إنجلترا، وهناك كتب رائعته الخالدة «موبي ديك» عام 1851 التي لم يلتفت إليها أحد كذلك.

التوقف عن الكتابة

لازم سوء الحظ «ملفيل» في إنجلترا، وتعرض لأزمات اقتصادية جعلته يخسر مزرعته، ثم بدأ في تجارة الكتب، إلا أن النار التهمت مخزنه، وكان عليه أن يقبل وظيفة بسيطة في أحد الموانئ، وقرر التوقف عن الكتابة بعد تسع سنوات، كتب فيها سبع روايات من دون أي مردود مادي أو أدبي، ومات عام 1891 من دون أن ينشر روايته «بيلي باد» التي ظلت حبيسة الأدراج حتى نشرت عام 1934.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"