اللغة العربية مرة أخرى

00:11 صباحا
قراءة دقيقتين

ليس بعيداً عما تناولناه بالأمس حول اللغة العربية، وقعت عيني مصادفة، على مقال يعود للعام 1974، للكاتب اللبناني أحمد شامي، ومنشور في أحد أعداد مجلة «الطريق»، يعلق فيه على مشروع أطلق يومها من قبل شخص أو جهة في لبنان عرف ب «مشروع تحديد اللغة العربية الأساسية».
ولم أفلح في معرفة صاحب هذا المشروع، شخصاً كان أو جهة، ولكن يفهم من السياق أن واضعي المشروع يدعون إلى وضع لغة هي جمع لشتات العاميات العربية، لتكوين لغة واحدة للكتابة والحكي، حلاً لازدواجية الفصحى والعامية من جهة، وتوحيداً للعاميات في نسق لغوي واحد.
ما لم يقله واضعو المشروع صراحة في حدود ما يشي به هذا المقال، أنهم بصدد اقتراح لغة عربية بديلة للغة الفصحى، انطلاقاً من اعتقاد لديهم بأنها باتت منفصلة عن الحياة، فنحن في الممارسة اليومية نتخاطب بمجموعة من اللهجات الدارجة تختلف بين منطقة عربية وأخرى، فهي، وفق فهمهم، لغة كتب لا لغة للحياة.
وفي الشرح ينقل الشامي عن أصحاب المشروع ملاحظتهم بأن العربية الفصحى ليست هي وحدها اللغة العربية المكتوبة، وبأن العاميات وحدها هي المحكية، فالفصحى محكية في بعض المناسبات، في الخطب والمحاضرات والمناظرات على ألسنة المتمكنين منها، كما أن العاميات هي الأخرى مكتوبة في الأزجال والأغاني والحوار في المسرح وأفلام السينما وحتى في بعض القصص.
غاية الكاتب الشامي من مقاله المشار إليه هي التصدي لهذه الدعوة، التي نظر لها باستهجان لا بل وبريبة، فإذا كان تعدد اللهجات هو إحدى الصعوبات التي يواجهها دارسو اللغة العربية من الأجانب، على نحو ما أشارت المستشرقة الرومانية ناديا أنجيليسكو التي توقفنا أمس عندها، فإن الشامي يرى أن العربية ليست اللغة الوحيدة في العالم التي تعرف الفوارق بين الفصحى والمحكية، بل إنه يكاد يقول إن كل اللغات بدون استثناء تعرف مثل هذه الثنائية.
وفي سياق رفضه لمشروع «تحديد جديد للغة العربية»، يجزم الشامي أنه ما من عربي، مشرقياً كان أو مغاربياً، لا يمكنه، إذا كان على درجة من الثقافة، فهم ما يكتبه أخوه العربي إذا كان مكتوباً بالفصحى، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن كل لغة تقدم لمستخدميها إمكانات عديدة في التعبير عن الفكرة الواحدة أو المعنى الواحد.
وإن كان لنا من تنويه ذي صلة بالموضوع فهو ملاحظة أن الشقة بين العاميات والفصحى في العالم العربي تضيق مع الوقت، لصالح الفصحى التي تزيد مفرداتها في المحكي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"