الديمقراطية في مختبرات السياسيين

00:38 صباحا
قراءة 3 دقائق

كمال بالهادي

الأحداث التي عاشها الكونجرس الأمريكي، التي مثّلت صدمة لكل الديمقراطيين في العالم، يمكن اعتبارها علامة فارقة في تاريخ «الديمقراطية المعاصر»، لأن هناك من يرى أنه لا بديل عن النظام الديمقراطي، فيما يرى آخرون أن العصر الديمقراطي الكلاسيكي، قد انتهى، وأن لا بد من بدائل جديدة.
 الولايات المتحدة المعقل الأهم للنظام الديمقراطي في العالم، عاشت أياماً صعبة على خلفية اقتحام مبنى الكابيتول و إهانة «الرمز المقدس للديمقراطية»، لكن الأخطر هو تلك الجماعات الفوضوية المتشددة، التي استطاعت أن تخترق كل الحواجز الأمنية وأن تصل إلى داخل القاعة التي صدرت منها أخطر القرارات، التي أثرت في شعوب في أقصى أنحاء العالم. تلك الصورة، تثبت أن الديمقراطية الأمريكية مريضة، وأن علامات الوهن و العجز قد أصابتها، لأنها لم تتجدد من الداخل، فربما سئم جزء من الأمريكيين، أن يظل مصيرهم محدد بيدي الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وربما كره البعض الآخر، أن يظل مصيره رهينة «ديمقراطية المال»، أي تلك الديمقراطية التي لا تمنح فرصة المشاركة في الانتخابات إلا لمن كان يملك المال، أو لذلك الشخص الذي تدعمه لوبيات المال النافذة في الولايات المتحدة. صحيح أن الديمقراطية الأمريكية، صعّدت دونالد ترامب الذي يصفه الأمريكيون أنفسهم بأنه أساء لصورة بلدهم، لكن من يضمن ألاّ تقدم الديمقراطية الأمريكية في المستقبل أشخاصاً أكثر تطرفاً من ترامب، خصوصاً في ظل الاهتمام المتزايد من الشباب الأمريكي بهذه الجماعات المتطرفة مثل «Proud boys» التي اكتسحت مبنى الكونجرس، و مثل جماعة «الحق البديل» ذات التطرف الديني، التي توصف بأنها تمثل «الإرهاب الأبيض»؟
 وبِمَ نفسّر خروج جماعة «السترات الصفراء» الفرنسية على الرئيس المنتخب إيمانويل ماكرون، وهو لم يكمل سنته الأولى في قصر الإليزيه، وهو المنتخب انتخاباً ديمقراطياً لا غبار عليه؟ ولماذا وصل الأمر بجماعة السترات الصفراء استدعاء «مشانق» الثورة الفرنسية و نصبها في ساحة قوس النصر؟ أوليست تلك علامات شديدة الوضوح على أن النظام الانتخابي الديمقراطي وعلى الرغم من أنه يعطي فرصة للمشاركة، بات في حاجة مؤكّدة هو ذاته إلى دمقرطة و إلى إعادة النظر في الأسس التي قام عليها؟
 ولو سُقنا أمثلة أخرى من العالم الغربي باعتباره معقل الديمقراطية، فإننا سنجد حالات «مَرَضية» كثيرة قد أصابت هذا النظام. فما الذي يجعل على سبيل المثال الحكومات الإيطالية تتساقط الواحدة بعد الأخرى؟ إنها دون شك علل مزمنة قد أصابت هذه الديمقراطية، و إنها علامة من علامات الشيخوخة، التي تفترض الإسراع بإيجاد الحلول قبل أن يغزو الفوضويون كل معاقل الديمقراطية و يرسلون من أعلى منابرها صوراً ليست فقط صادمة؛ بل هي معلنة عن تحولات عميقة على المستوى السياسي العالمي.
 لنقل إن «واقعة الكابيتول»، وعلى الرغم من سرعة تصدي المؤسسات الأمريكية لها، هي حدث لافت، سيكون ما بعده ليس كما قبله. لأنه حتى في ظل محاسبة ترامب و تحميله تبعات تلك الحادثة، إلا أن ذلك لا يعني نهاية المشكلة. لأن الديمقراطية الأمريكية باتت تعيش مشاكل منذ صعود جورج دبليو بوش إلى سد الحكم، ضد آل غور في ذلك الوقت، وما نتج عنه من تحولات تاريخية كبرى تمثلت في أحداث الحادي عشر من سبتمبر وغزو العراق وإسقاط دولته، بعد ذلك.
 إن تنصيب بايدن، قد لا يكون نهاية مرحلة فقط؛ بل قد يكون بداية مرحلة جديدة من عدم الاستقرار الداخلي، وما التحذيرات التي أصدرتها المؤسسات الأمريكية قبل التنصيب إلا دليل على وجود مشكلة عميقة تهز المجتمع الأمريكي، وحلها لا يكون في رحيل هذا الرئيس أو تنصيب ذاك. وهذه المشكلة تتمثل في أسس المشاركة في الحياة العامة و في دمقرطة النظام الديمقراطي، أي بجعله أكثر انفتاحاً على كل الفئات الاجتماعية.
 صحيح أنه يتم الاعتماد على الأرقام لتبين مدى مشاركة الناخبين في العملية الانتخابية واعتبرها علامة صحية للعملية الديمقراطية، لكن العاقل عليه أن يفكّر في أن من توجه إلى صندوق الاقتراع قد لا يكون أمامه الاختيار الواسع، لذلك تراه يدلي بصوته و بعد أيام فقط يمكن أن تراه، يتقدم المتظاهرين للاحتجاج على من انتخبهم. أو حتى محتلاّ للكراسي التي انتخبهم من أجلها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"