المسؤولية إزاء العربية وميراثها

00:11 صباحا
قراءة دقيقتين

هل استطاعت الجهات المسؤولة، ولو ضميرياً، عن العربية لغةً وميراثاً، أن تستوعب الأخطار المصيرية التي تواجهها لغتنا؟ المأساة أن يسأل أولئك: وما الذي نقدر على فعله؟مجموع تراثنا خمسة عشر قرناً، أضف إليها قرناً جاهليّاً، ومع ذلك لا توجد دلائل على أواصر فكرية أو روحية بذلك المخزون الهائل. ما يمكن استخلاصه من هذا التوصيف المخيف، هو أن ميراثنا الثقافي لم يغربل، لم يصقل ولم يؤهل للتكيّف مع حياة العصر.
الصورة الأخيرة جديرة بأن يغوص في أعماقها العرب، مع التنفس بين الحين والحين كالحيتان. هل أدركنا الشعاب والصعاب الكامنة في الفكرة؟ المشكلة تتمثل في أن أكثرية العالم العربي غير قادرة على التأقلم مع العصر، لأنها تتعامل معه بأدوات ووسائل تجاوزها الزمن. وهذه هي التي توجه البيئة الأسرية والمدرسية والاجتماعية، وهي التي تسيّر جميع مناحي الحياة العامة. أليس من الضروري التفكير بجد في المأزق الثقافي الحضاري: من جهة، ميراث ليس معلوماً بدقة منهجية، ما الذي يجب اتخاذه منه كأساس للقيم في هذا العصر، مثلما تفعل الصين بمفكريها وحكمائها، والغرب بفلاسفته وأدبائه، ومن جهة أخرى بلدان عربية عدة، لا تدرك حقيقة العراقيل التي تحول دون التحاقها بالعصر: عصر العلوم والتقانة يحتاج بلوغه إلى الرياضيات والفيزياء أوّلاً.
التراث عالم مختلط من الإيجابيات والسلبيات، والقيم والقيم المضادّة. ليس أمراً سيئاً أن نختلف فيه وعليه. أسوأ ما يمكن حدوثه هو التعصب الأعمى الذي يؤدي إلى التطرف. أول الديمقراطية الإيمان بنسبية الأفكار، والحيلولة دون تحولها إلى أسلحة فتاكة. مثلاً: الثورة الثقافية في الصين كانت فاجعة. الزعيم ماو أخطأ كثيراً حين أخضع الثقافة للشبان البروليتاريين. عشرات الملايين سحقوا ومحقوا، ما أدى إلى تنحيته في النهاية، وأعيد الاعتبار لكونفوشيوس، ولكن بقراءة عصرية. العرب أيضاً يحتاجون إلى إعادة قراءة التراث: ما الذي يتجاوب مع عصرنا لدى المتنبي، أبي تمام، المعري، وقبل هؤلاء وبعدهم؟ من أخطر الأخطار توهم أن ديوان العرب كله حكمة وفضائل. فيه ما يدعو إلى الفخر ويرفع الهامات، وفيه ما يحتاج إلى النقد وأجراس الإنذار.
لزوم ما يلزم: النتيجة التحذيرية: إذا لاقت العربية وميراثها الأدبي سوء المصير، فهذا برهان على أن العرب لم يكونوا جهاز مناعة حصيناً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"