عقد الاحتجاجات

00:49 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

نشرت أغلب وسائل الإعلام الغربية الرئيسية في الأسبوعين الأخيرين، تحقيقات مطولة عن ذكرى مرور عقد من الزمن على الاحتجاجات الشعبية في عدد من الدول العربية ضد أنظمة الحكم، والتي عرفت بما يسمى «الربيع العربي»، وبدأت من تونس بعد إشعال الشاب التونسي محمد بوعزيزي النار في نفسه احتجاجاً على تصرف شرطة البلدية وفقدانه مصدر رزقه يوم 17 ديسمبر 2010، وكانت وفاته في 4 يناير 2011 شرارة احتجاجات واسعة أطاحت بنظام الرئيس زين العابدين بن علي. ثم تلتها احتجاجات في مصر أطاحت بالرئيس حسني مبارك. وشهدت سوريا احتجاجات تحولت إلى حرب أهلية وكذلك في ليبيا واليمن حيث ما زالت الدول الثلاث في حال احتراق داخلي مدمر.

 اتسمت كل التعليقات الغربية تقريباً بصيغة مماثلة تتسق مع موقف الغرب من تلك الاحتجاجات، وخاصة فيما يتعلق بالموقف من الجماعات المتطرفة التي يراها ليبراليو الغرب «تيارات معتدلة» بينما هي في الأساس مصدر كل الإرهاب في المنطقة والعالم.

 صحيح أن كل تلك الاحتجاجات جاءت انفجاراً شعبياً على تردي أوضاع تلك البلدان وجمود السياسة فيها وممارسات أجهزة الأمن، وتضافر كل ذلك مع أوضاع اقتصادية في غاية الصعوبة. صحيح أن تلك الانتفاضات كانت نتيجة طبيعية لانسداد أفق التعبير، لكنها سرعان ما استغلت من قبل جماعة الإخوان وكسبت تعاطف قطاعات من الجماهير، المتدينة بطبيعتها ولكن بشكل سمح سليم. ولأن القوى الخارجية صاحبة المصالح في المنطقة لا يهمها سوى مصالحها ومن هو أقدر على حمايتها، تعاملت بسرعة استغلال تلك الجماعات للاحتجاجات على اعتبار أنها أفضل من يمكنه تأمين تلك المصالح.

 في كتابي «التغيير العربي.. مقدمات وتوقعات» الذي صدر في عام الاحتجاجات قبل عشر سنين، فصّلت كيف أن تلك التنظيمات الأصولية والمتشددة ستخطف الاحتجاجات وتوقعت أن تكتشف الجماهير في هذه الدول مدى انتهازية وفساد وتطرف تلك القوى المتسربلة بالدين حين تستولي على السلطة وبالتالي تلفظها – وهو ما حدث بوضوح في مصر، أكبر تلك الدول والتي نشأت فيها جماعة الإخوان قبل قرن تقريباً. لكن نتيجة لتدخل قوى إقليمية في سوريا واليمن مثلاً، تحول التغيير بالاحتجاج إلى حرب داخلية تكاد تدمر البلدين. وتظل ليبيا «حالة» مختلفة نتيجة تركيبة المجتمع وعدم وجود «مؤسسات» لنحو أربعة عقود من حكم نظام القذافي وأيضاً نتيجة كثافة التدخل الأجنبي فيها منذ بداية الاحتجاجات والآن من تركيا التي جعلتها قاعدة لتجميع الإرهابيين من سوريا والعراق وغيرها.

لم يتوقف الغرب، بسياسييه ومفكريه، عن الاعتقاد بفكرة أن تلك الجماعات التي اختطفت الاحتجاجات الشعبية المبررة تختلف عن العصابات الإرهابية مثل القاعدة وداعش. وتغذي مراكز الأبحاث، التي تدعم اتخاذ القرار في أمريكا وأوروبا، تصور خاطئ عن وجود «اعتدال» و«تطرف» في تلك الجماعات وتعتبر أن الإخوان فصيل يمكن التعامل معه سياسياً. ويتجاهل هؤلاء، عن عمد أو عن قناعات مسبقة مغلوطة، حقيقة أن كل تلك الجماعات والتنظيمات الإرهابية إنما خرجت من جذر واحد هو الإخوان.

لكن البعض في المنطقة أدرك الخطر من بدايته وأخذ على عاتقه مواجهة هذا التيار الذي استغل الهبات الشعبية لتحقيق أغراضه بتدمير الدول وتفكيك مؤسساتها، وفي مقدمتها الجيوش الوطنية التي تمثل عامل قوة يحافظ على أمن تلك الدول وسلامة أراضيها وتماسكها، وفي النهاية ضرب استقرار المنطقة ككل.

رغم ما مرت به تلك الدول على مدى عقد من الزمن، وما زلنا نشهده من تدمير ومخاطر في سوريا وليبيا واليمن، جاءت المراجعات الغربية في الأيام الأخيرة لتكرر الموقف الخاطئ ذاته الذي اعتمدته في 2011.

لكن هذا التصور النظري ليس مكتوباً له النجاح في الواقع، بغض النظر عن المواقف السياسية للدول الغربية ولو من خلال الأمم المتحدة. فقد تعلم الناس، قبل القيادات، في المنطقة على مدى العقد الماضي حجم الخطر الذي تمثله تلك الجماعات على الدول والمجتمعات. وبالتالي لن تسمح الشعوب لنفسها بأن يدفع الغرب، وبعض القوى الإقليمية الداعمة لتلك الجماعات، نحو فرض أمر واقع على أساس احتواء أو استيعاب ما يعتبرونه «إرهاباً معتدلاً». لأن نتيجة ذلك ماثلة أمامهم الآن في سوريا وليبيا، التي لا يريد أحد لبلده أن يصل إليها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"