اتفاق باريس للمناخ.. ما حققه وما عجز عنه

21:56 مساء
قراءة 4 دقائق

د. محمد الصياد*

يمكن القول بحذر، إنه بعد 5 سنوات على إبرامه، فإن حصاد اتفاق باريس للمناخ، هو خليط من النجاحات والإخفاقات. ففيما يتعلق بالنجاحات، فإن الاتفاق صمد في وجه الضربة التي تلقاها بقرار الرئيس ترامب الانسحاب من الاتفاق. إذ بقيت الولايات المتحدة وحدها معزولة ولم يقتف أثرها حتى رئيس البرازيل جايير بولسينارو المناهض للمناخ. كما نجح القائمون على الاتفاق، ومن خلفهم الهيئة الحكومية الدولية لتغير المناخ، في محورة هدف المادة الثانية من الاتفاق حول هدف عدم زيادة درجة الحرارة بنسبة تفوق 1.5 درجة مئوية بنهاية القرن عوضاً عن الهدف الأكثر مرونة الوارد في نفس المادة والذي يحث الدول الأعضاء في الاتفاق على المساهمة في جهود عدم تجاوز درجة حرارة الطقس بأكثر من درجتين مئويتين كحد أقصى.

كما فرضت عبارة «الانبعاثات الصفرية الصافية»، نفسها بسرعة، في لغة التداول والتخاطب المناخي في عام 2020، وتبنتها كبريات الدول، مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، وذلك في تحديد أهدافها الخاصة بتحييد الكربون. وهو اتجاه له جذوره في اتفاق باريس، على أي حال. فالهدف، كما ورد في الاتفاق، هو «تحقيق توازن بين الانبعاثات البشرية المنشأ بحسب المصادر، وبين عمليات الإزالة بواسطة بواليع التصريف... في النصف الثاني من القرن».

أيضاً، فيما يتعلق بالتمويل الذي يشكل أحد المحاور الثلاثة الرئيسية في الاتفاق (إلى جانب خفض الانبعاثات – التخفيف - والتكيف)، فقد حدث تحول مهم في اتجاهاته بشكل حاسم لصالح تمويل مصادر الطاقة النظيفة. حتى أن وكالة الطاقة الدولية (المعنية أصلاً بالوقود الأحفوري)، أشادت في عام 2020، بطاقة الرياح والطاقة الشمسية باعتبارهما أكثر مرونة من الوقود الأحفوري في مواجهة انخفاض الطلب الناجم عن فيروس كوفيد-19. وبدأت المؤسسات المالية الآسيوية في اقتفاء أثر نظيراتها الغربية في وضع الفحم على القائمة السوداء، وهو موقف أيدته مؤخراً وزارة البيئة الصينية.

أما فيما يتعلق بالوضع المؤسسي للعمل المناخي الدولي، فعلى الرغم من أن اتفاق باريس لا يملك آلية تنفيذ مركزية، فإن هذا لم يعنِ أنه غير قابل للتنفيذ. فقد استُعيض عن عدم وجود مثل هذه الآلية، بقيام مئات المؤسسات حول العالم، من المؤسسات المالية، إلى سلطات الولايات والمدن والبلديات الكبرى في أنحاء مختلفة من العالم، بتضمين أهداف الاتفاق ومبادئه في سياساتها، مما خلق طرقاً جديدة للمساءلة. كما التزم أكثر من 400 بنك حكومية للتنمية، بمواءمة أنشطتها مع الاتفاق؛ وهذا ما عرّض العديد من الشركات الآسيوية غير الملتزمة حتى الآن بقواعد ومبادئ الاتفاق، لضغوط متزايدة لتحذو حذوها. الاتحاد الأوروبي بدوره، ومنذ عام 2015 (العام الذي أُبرم فيه الاتفاق)، جعل الامتثال لاتفاق باريس، شرطاً لكل اتفاقية تجارة حرة يبرمها مع الأطراف الدولية؛ فيما تحول تراجع البرازيل في ظل رئيسها الحالي جايير بولسونارو، عن حماية غابات الأمازون ووقف حرقها وإزالتها، إلى عائق أمام التصديق على اتفاقها مع كتلة ميركوسور. كما تحول الاتفاق إلى مرجعية للمحامين المترافعين في قضايا البيئة والمناخ أمام القضاء، حتى إنه استُخدم لمنع توسيع مطار هيثرو في لندن.

هل هذا كافٍ لإشاعة التفاؤل؟ ليس تماماً، وذلك اعتباراً بالواقع القاسي المتمثل في الطريق الوعر والمدى الطويل الذي يجب أن يقطعه العالم قبل أن يسمح لنفسه بتنفس الصعداء. فبالنسبة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري (وهي أساس ظاهرة تغير المناخ)، فقد واصلت نموها بإضافة مليار طن من ثاني أكسيد الكربون إلى الأرقام السنوية للفترة بين عامي 2015 و 2018. ولوحظ أن الاقتصادات الناشئة في آسيا، قد هيمنت على هذا النمو، بدفع من حاجتها المتزايدة للطاقة التقليدية، لتأمين استقرار معدلات نموها المرتفعة المعتادة. في ذات الوقت الذي لم تقم الاقتصادات المتقدمة (في أوروبا خصوصاً) بواجبها في خفض الانبعاثات بالوتيرة التي تتحدث عنها. إنما جائحة كورونا أدت إلى انخفاض حاد في السفر والأنشطة الاقتصادية المختلفة في معظم أنحاء العالم لما يقرب من سنة كاملة .، وهو ما أسفر عن خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون .

ومع نمو الانبعاثات، كان لابد أن ترتفع درجات الحرارة أيضاً. ولذا فقد كان عام 2020، أكثر حرارة بمقدار 1.2 درجة مئوية عن أوقات ما قبل الثورة الصناعية؛ وكان من بين الأعوام الثلاثة الأكثر سخونة على الإطلاق، على الرغم من تأثير ظاهرة ال «لا نينا» الملطفة للحرارة (هي ظاهرة مصاحبة للعلاقة بين المحيط والغلاف الجوي؛ وهي نظير بارد، معاكس لظاهرة التذبذب الجنوبي «انسو» الحارة، الناتجة عن التغاير الدوري غير المنتظم في درجات حرارة الرياح وسطح البحر فوق المنطقة الاستوائية الشرقية للمحيط الهادئ، ما يؤثر في الكثير من المناطق المدارية وشبه الاستوائية، التي تتأثر جراء ذلك بما يسمى الاحترار في درجة حرارة البحر «النينو»). ومع هذا المستوى الخطير من ارتفاع درجة الحرارة (وهو ارتفاع يقترب كثيراً من سقف ال 1.5 درجة مئوية الذي استهدف اتفاق باريس الوصول إليه نهاية القرن والذي مازال يفصله عنا 80 عاماً)، فلا غرابة، والحال هذه، أن نرى عبارة «غير مسبوقة» وهي تتكرر خلال قراءة نشرة أخبار الطقس في العالم، فضلاً عن تواتر أنباء الحرائق والأعاصير والجفاف والفيضانات التي تحدث في مناطق مختلفة من العالم.

* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"