عادي

عذب الكلام

00:20 صباحا
قراءة 3 دقائق
1

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسرٌ لا عُسْرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئَ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكرِ المفتوحةِ على فضاءاتٍ مُرصّعةٍ بِدُرَرِ المَعْرفَةِ. وإيماناً من «الخليج» بدورِ اللغةِ العربيةِ الرئيسِ، في بناءِ ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاويةً أسبوعيةً تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أم اللغات

من البديعِ البلاغيّ، تأكيدُ المَدْحِ بما يُشبهُ الذّم، وهو ضربان: أوّلُهما، وهو في الوقتِ نفسِهِ أفضلُهما، أنْ يُسْتَثْنى مِنْ صفةِ ذمّ، كقولِ النّابغةِ الذُّبيانيّ:

إِذا ما غَزوا بِالجَيشِ حَلَّقَ فَوقَهُم

عَصائِبُ طَيرٍ تَهتَدي بِعَصائِبِ

ولا عَيْبَ فيهِمْ غيْرَ أنّ سُيوفَهمْ

 بِهنّ فلولٌ مِنْ قراعِ الكتائبِ

فالنابغةُ هنا، نفى أولاً عنْ مَمْدوحيهِ صفةَ العيْبِ، ثمّ عادَ فأثبتَ لهم - بالاستثناء - عيباً هو أنّ سيوفَهُم مثلّمة منَ الطّعن، وهي ليست ذمّاً، وإنما مدحٌ، أكّدها بما يشبه الذم.

وكقولِ أبي هفّان:

ولا عيْبَ فينا غيْرَ أنّ سماحَنا 

أضَرّ بنا، والبأسُ مِنْ كلِّ جانبِ

فأفْنى الرّدى أرْواحَنا غيْرَ ظالمٍ 

وأفنى النّدى أموالَنا غيْرَ عائبِ

وقولِ النّابغة الجَعْديّ:

فتىً كَمُلتْ أخلاقُهُ غيْرَ أنّهُ

جوادٌ فما يُبقي منَ المالِ باقيا

فتىً كانَ فيهِ ما يَسُرُّ صديقَهُ 

على أنّ فيهِ ما يُسيءُ الأعاديا

 درر النظم والنّثر

أَيا مُظهِرَ الهِجرانِ

للبحتري (من الطويل)

أَيا مُظهِرَ الهِجرانِ وَالمُضمِرَ الحُبّا 

سَتَزدادُ حُبّاً إِنْ أَتَيتَهُمُ غِبّا

لَنا جارَةٌ بِالمِصرِ تُضْحي كَأَنَّها 

مُجاوِرَةٌ أَفناءَ جَيْحانَ وَالدَّرْبا 

تَراها عُيونٌ شانِئاتٌ وَتُتَّقى 

عَلَيْها عُيونٌ هُنَّ يَصدُقْنَها الحُبّا

أَذاقَتْكَ طَعْمَ الوَصْلِ ثُمَّ تَنَمَّرَتْ 

عَلَيْكَ بِوَجْهٍ لَمْ يَكُنْ يَعرِفُ القَطْبا 

وَقَدْ وَثِقَتْ بِالوَصْلِ مِنْكَ فَأَصبَحَتْ 

تَزيدُكَ بُعداً كُلَّما زِدْتَها قُرْبا

فَلَوْ أَنَّ ما أَبكي لِبَلوى وَراءَها 

رَجاءٌ لِروحٍ لَمْ أُفِض عَبرَتي سَكْبا

وَلَكِنَّما أَبكي لِجُهدٍ مُبَرِّحٍ 

مَداهُ إِذا قَصَّرتُ أَن أَسكُنَ التُربا

تَبَرّأَتِ مِمّا بي وَأَنتِ حَبيبَةٌ 

وَعوفيتِ مِمّا شَفَّني فَاِحمِدي الرَبّا

وَلَو ذُقتِ ما أَلقى وَخامَرَكِ الأَذى 

لَسَرَّكِ أَن أَهدا وَأَن لا أَرى كَربا

تَحَصَّنتِ بِالهِجرانِ حِصناً مِنَ الهَوى 

أَلا كانَ ذا مِن قَبلِ أَن تُمرِضي القَلْبا

(جَيْحانَ: نَهْر. شانئاتٌ: كارهاتٌ. القطْبُ: العُبوس)

 من أسرار العربية

‏ في تَفْصِيلِ أسماءِ الأمْرَاضِ وألْقَابِ العِلَلِ والأوْجَاعِ

الوَبَاءُ: المَرَضُ العامُّ‏.‏ العِدَادُ: الَّذي يَأْتي لِوَقْتٍ مَعْلُوم، مِثْلُ حُمَّى الرِّبْعِ، وسواها‏.‏الخَلَجُ: شكوى ألمِ العِظَام. التَّوْصِيمُ: شِبْهُ فَتْرةٍ في الأَعْضاء‏.‏ العَلَزُ: القَلَقُ مِنَ الْوَجَعِ‏.‏ العِلَّوْصُ: الوَجَعُ مِنَ التُخْمَةِ‏. ‏الهَيْضَةُ: مَغْصٌ وكَرْبٌ يَحْدث بَعْدَهُما قَيْءٌ.‏ الخِلْفَةُ: عدمُ بقاءِ الطَّعامُ في البَطْنِ كالمُعْتَادَ، مَعَ لَذْعٍ وَوَجَعٍ. الدُّوَارُ: شعور الإنسان بأَنَّه يُدَار بِهِ، وتُظْلِمُ عَيْنُه وَيهُمُّ بالسُّقُوط‏.‏ السُّباتُ: مُلقىً كالنَّائِمِ، ثُمَّ يحِسُّ وَيَتَحَرَّكُ إِلا أَنَّهُ مُغَمّضُ العَيْنَيْنِ، ورُبَّما فَتَحَهُما ثُمَّ عَادَ‏. الفالِجُ: ذَهابُ الحِسِّ والحَرَكَةِ عَنْ بَعْضِ الأَعْضَاء‏.‏ اللَّقْوَةُ: تَعَوُّج الوَجْه، وعدمُ الَقْدرَة على تَغْمِيضِ إحْدَى العَيْنَيْن‏.‏ التَّشَنُّجُ: تَقَلُّص عضْو مِنْ الأَعْضَاء‏.‏

 هفوة وتصويب

ثمّة كلماتٌ، تشتركُ في الحروفِ، وتختلفُ في الحَرَكاتِ، ولكلٍّ منها معنىً مختلفٌ تماماً عن الأخرى، سأُعطي مثلاً في هذا العدد «قسم». القَسْمُ: مَصدرُ قَسَمْتُ الشيء فانْقَسَمَ، والموضع مَقْسِمٌ. والقِسْمُ: الحظُّ والنّصيبُ منَ الخيْر. يقال: هو يَقْسِمُ أمره قَسْماً، أي يقدِّرهُ وينْظُرُ فيهِ كيفَ يفعلُ. أمّا القَسَمُ بالتحريك، فهو اليمينُ، وكذلك المُقْسَمُ. وأقْسَمْتُ: حلفتُ، وأصلهُ منَ القَسامَةِ، وهي الأيْمانُ تُقْسَمُ على الأولياءِ في الدّم. والمُقْسَمُ أيضاً: موضعُ القَسَمِ. قالَ زُهَيْر:

فتُجْمَعُ أيْمُنٌ مِنَّا ومِنْكُمْ

بمُقْسَمَةٍ تَمورُ بها الدّماءُ 

والقَسِمَةُ الوجهُ. قال محرز بن مكعبرٍ الضبِّي:

كَأنَّ دنانيراً على قَسِماتِهِم

وإن كانَ قدْ شَفَّ الوجوهَ لِقاءُ 

 من أمثال العرب

العَقْلُ يَعْجَبُ في تَصرُّفِهِ 

ممّنْ على الأيامِ يتَّكلُ

فنوالُها كالرّيحِ مُنْقلبٌ 

ونَعيمُها كالظلِّ مُنْتَقلُ

 البيتان لعمرَ الخيّام، يدعو فيهما إلى عَدمِ الاتّكالِ على ما تأتي بهِ الأيامُ، وما تُخبّئه الأحوالُ، بل يجبُ الاعتمادُ على العقلِ، والتبصُّر الثاقبِ، ومنْ ثمّ اتّخاذُ القرارِ.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"