أكثر من مهمة نظرية

23:37 مساء
قراءة دقيقتين

د. باسمة يونس

يتأثر المجتمع بالظروف الاجتماعية والسياسة والاقتصادية وتبدأ كثير من القضايا كمشاكل فردية، ومع مرور الوقت تصبح المشكلات ظواهر اجتماعية يحتاج حلها للنظر إليها من أبعاد مختلفة وبذل جهود جماعية من مجموعات متخصصة في علم الاجتماع للقيام بذلك من دون تجاهل دور الوالدين في المنزل ودور المعلمين في المدرسة.

وكما جلب لنا التطور التكنولوجي تقدماً هائلاً، صاحبته تأثيرات ثقافية كبرى أحدثت تغيرات عميقة في أسلوب حياة وتفكير الناس. وكذلك فعل الوباء الذي اجتاح العالم واضطر الدول لإجراء تغييرات قسرية في السلوكيات وطرق التفكير وآليات التفاعل والتواصل. وأصبحت التغييرات حقائق ليس بالإمكان رفضها أو مجرد التفكير بتجاهلها ويجب أن تؤخذ في الاعتبار.

ومع امتداد تأثير التطور التكنولوجي إلى تغيير العادات والتقاليد واضطرار الناس للامتثال لبعض الأمور التي كانت مرفوضةً في السابق مثل طريقة التفاعل وإمكانية مشاركة الأخبار الخاصة مع مئات أو حتى آلاف الأشخاص الذين قد يعرفونهم أو لا يعرفونهم، واندفاع البعض لخلط الترفيه مع نشر الخصوصيات والسخرية من الذات أو من الآخرين، بات من الضروري دراسة نتائج هذا التغيير على سلوكيات المجتمع ومستقبله، واستكشاف كيفية إدراكنا لما نقوم به، فنحن لم نعد نستخدم وسائل التواصل الاجتماعي على سبيل المثال للبقاء على اتصال مع الأصدقاء، بل أصبحنا نستخدمها أيضاً «لإبداء الإعجاب» ببعض الشخصيات والمنتجات والبرامج التلفزيونية ونشر التغريدات أو الرسائل النصية أو الاستبانات والاتصال للتصويت للمتسابقين في البرامج التنافسية.

نحن لا ندرك ما إذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي قد حررتنا من الصور النمطية التي فرضها علينا الإعلام أم وضعتنا في إطار صور نمطية جديدة، وهل ذودتنا بفهم عالمي قربنا من بعضنا البعض أم أنها أصبحت أداة للترويج لأفكار قد لا تتلاءم مع أفكارنا وسلوكيات لا تحقق لمجتمعاتنا التطور والوعي الذي نريده لنصبح أكثر إدراكاً؟، ومع ما قام به الوباء وفرضه تغييرات كبرى وعميقة في عاداتنا وتقاليدنا وسلوكياتنا وطريقة تفكيرنا أصبحنا بحاجة لمعرفة كيف غيرت هذه الإجراءات الاضطرارية حياتنا وهل دفعتها للأفضل. هذه هي مهام علم الاجتماع الذي لا يزال كثير من الناس يجهلون دوره في إنقاذ المجتمعات من نتائج التأثيرات العميقة التي تفرض عليه الالتزام بتغييرات في عاداته وتقاليده، ولا يدركون قيمة الإنجازات العظيمة التي أحرزتها العلوم الاجتماعية في العالم وكيف استفادت من سلبيات الماضي وتجارب الحاضر.

ورغم مضي نصف قرن على نشأة علم الاجتماع العربي وحضوره الكبير في الكليات والجامعات ومراكز البحوث، لكن لا يزال يعوقه من وجهة نظر الدارسين استناد الأغلبية إلى دراسات تأتي من مجتمعات مختلفة، ومعظم الدراسات الاجتماعية العربية دراسات وصفية بسبب عدم امتلاكه نظريات علمية اجتماعية عامة ذات قدرات تفسيرية وتنبئيّة ويمكن اختبارها على أرض الواقع كما هو الحال في علم الاجتماع في الغرب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"