دور جديد

23:38 مساء
قراءة دقيقتين

علاء الدين محمود

متغيرات كبيرة وجوهرية شهدها العالم في السنوات الأخيرة مع الانفجار التكنولوجي الكبير، والذي أنتج أشكالاً وأنواعاً جديدة من التواصل، بل وأسس لمجتمع مختلف غير ذلك التقليدي المتعارف عليه، وهو ما صار يعرف بالعالم الافتراضي، والذي هدم كثيراً من قيم المجتمع التقليدي التي كانت تقوم على الروابط والاتصال بمفهومه القديم؛ وأنتج الوضع الجديد روابط وعلاقات تعتمد على اللا مباشرة، الأمر الذي يكشف عن ضرورة وجود دور جديد لعلم الاجتماع.

 أصبح الإنسان يعيش وحيداً أسير ذلك الواقع الافتراضي، يقضي جل يومه في متابعة مواقع التواصل الاجتماعي، أو يتحدث في غرف الدردشة بدلا عن اللقاء الحميمي المباشر، لتحل مشاعر مفتعلة يتم التعبير عنها عبر «الإيموشنات»، وهذا ما تنبأ به الفيلسوف الكندي مارشال ماكلوهان، والذي رأى أن وسائل الاتصال الجديدة هي بمثابة امتداد لحواس الفرد وتطور أساسي في حياته.

وهنا تبرز أسئلة كثيرة من أبرزها، كيف يمكن لعلم الاجتماع أن يلعب دوراً وسط هذه المتغيرات؟، فلابد من ثورة في هذا العلم.

 لقد جعلت الثورة المعلوماتية المجتمع في حالة تغيير مستمر، وهو ما أحدث إرباكاً كبيراً في علم الاجتماع القديم من حيث مهامه ومقدرته على الرصد والتنبؤ، فصار كل ما يستطيع أن يفعله هو ملاحظة الواقع، على نحو ما يرى عالم الاجتماع رايت ميلز، الذي دعا، مع بدايات التطور التكنولوجي، إلى ثورة في ذلك العلم، بحيث يتحرر من النزعة المحافظة التي سعت على الدوام لتبرير الأوضاع الاجتماعية أو الدفاع عنها، فما يراه ميلز وعدد من العلماء البارزين أن التكنولوجيا بدأت تسيطر على الحياة الإنسانية بحيث صار علم الاجتماع غير قادر على وضع تصورات أو مجاراة ذلك التطور، فلئن كان الإنسان في السابق هو محور الدراسات الاجتماعية، فإن الوضع قد تبدل وصارت التكنولوجيا وما تحدثه هي المحور، بالتالي فإن أحاديث بعض العلماء المعاصرين الآن، والتي تدور حول الاغتراب والتشيؤ، تصبح بلا قيمة، لأن رفض التكنولوجيا أصبح غير ممكن، فلابد من موقف علمي يستوعب أهميتها وأثرها في حياة الناس. 

لقد كاد المجتمع بصورته القديمة من حيث التواصل الاجتماعي، أن يتلاشى، بفضل التكنولوجيا، لقد أصبح العالم اليوم هو عالم الفردانية، والتي صارت سمة وطابعاً ونظام حياة، وبات التباعد والتشظي هو البديل عن التقارب واللحمة الاجتماعية التي كانت طابع الحياة في السابق، وخفتت العلاقات البشرية، وهو التحدي الأول أمام علم الاجتماع، ولئن كان هناك تطور ما في هذا العلم الآن، يحاول أن يمارس التحليل والرصد للمتغيرات الجديدة، فإن السرعة الرهيبة لتلك المتغيرات تمثل الإشكالية الكبرى التي يواجهها علم الاجتماع.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

صحفي وكاتب سوداني، عمل في العديد من الصحف السودانية، وراسل إصدارات عربية، وعمل في قنوات فضائية، وكتب العديد من المقالات في الشأن الثقافي والسياسي، ويعمل الآن محررا في القسم الثقافي في صحيفة الخليج الإماراتية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"