قصة روبن هود

00:01 صباحا
قراءة دقيقتين

بين الحقيقة والخيال تتناقل الأجيال القصص الرومانسية لتبقى عالقة في الذاكرة، ومن بينها «روبن هود».. تلك القصة التي بدأت بالانتشار في القرن الثالث عشر في الريف البريطاني، وتدور حول أشخاص (أبطال أو لصوص) يهاجمون الأغنياء، ويوزعون ثرواتهم على الفقراء. هذه القصة يحاول البعض إعادة إحيائها في القرن الحادي والعشرين، وبدل الريف البريطاني فإن المنازلة تجري في وول ستريت، حيث معقل المال، أما أدواتها فهي الأسهم ومشتقاتها بدلاً من السيوف والرماح. برأي هؤلاء، فإن أغنياء «وول ستريت» وأباطرتها، هم مديرو المحافظ وصناديق التحوط والبائعون على المكشوف الذين يراهنون ويضاربون على الأسهم نزولاً بعد أن يقترضوها ليعاودوا شراءها مجدداً بأسعار أقل، ثم يعيدوها ثانيةً إلى أصحابها بعد أن يحققوا مكاسب «خرافية» من هذه المضاربات. 
وجد هؤلاء أن بإمكانهم الحشد والتجمع استناداً إلى أعدادهم الكبيرة لشراء أسهم بعينها، تتوفر عليها طلبات كبيرة للبيع على المكشوف؛ ليرفعوا سعرها بهدف إلحاق خسائر بصناديق التحوط والمراهنين على انخفاض السهم. التطبيقات الإلكترونية وغرف الدردشة كانت ساحة التجمع، فهناك مئات الألوف بل الملايين من الأمريكيين الشباب العاطلين عن العمل الذين ينتظرون بضع مئات من الدولارات من إعانات البطالة، وليس لديهم مكان لصرفها مع الإغلاقات التي أحدثتها جائحة «كورونا»، فيخصصون جزءاً من أموال الدعم للاستثمار في الأسهم، وكانت بوصلتهم تلك الغرف. هذا ما يحدث الآن في «وول ستريت»، وهذا ما شاهدناه في الأسابيع الماضية وقبلها من تغيرات دراماتيكية وجنونية في بضعة أسهم، وهي ظاهرة غير صحية أقلقت سلطات هيئة الأوراق، فيما امتد القلق إلى البيت الأبيض ووزارة الخزانة، فلا يمكن لمجموعة شباب عاطلين عن العمل ضرب الثقة بأسواق الأسهم الأمريكية. لكن في الوقت نفسه لا يمكن منعهم، فمن حقهم الإعلان عن نيتهم الشراء كما تفعل الصناديق والبائعون على المكشوف.
.. ماذا فعلوا؟
فتحت السلطات الأمريكية تحقيقاً واسعاً حول حقيقة غرف الدردشة؛ لتعرف من وراءها، وطلبت من الوسطاء عدم تقييد شراء أسهم المضاربة إذا كانت هناك ضمانات مالية كافية، فيما جاءت الضربة الكبرى من كبار مساهمي هذه الشركات، الذين قرروا إغراق الشاشات بعروض بيع أسهمهم لإدراكهم أنها أصلاً لا تساوي عُشر قيمتها الحالية، فتأرجحت الأسعار وتجاوزت خسائر الصناديق 20 مليار دولار، باستثناء من ركبوا الموجة من بدايتها حيث حققوا مكاسب «خرافية»، وما زال «الكرّ والفرّ» مستمرَّين والمعركة في بدايتها.
الأهم بالنسبة للسلطات المالية والرقابية الأمريكية أن توقِف هذه الظاهرة خوفاً من فقاعة يمكن أن تنفجر، كما حدث لأسهم التقنية في العام 1999، التي أدّت إلى انهيار الأسواق المالية، أما الهم الثاني فهو للمستثمرين في الشركات القيادية حيث إن أسهمهم تعرضت لضغوط لأن البعض يسعون إلى بيعها لتغطية انكشافهم على أسهم «المضاربة».
ما يهمنا هنا ألّا ينساق صغار مستثمرينا وراء روبن هود في أمريكا، خاصة أن هذه التغيرات أعادت شركات الوساطة العالمية للنشاط مجدداً في أسواقنا لجذب مستثمرين إلى هناك؛ حيث لا يخلو يوم من أن يتلقى أحدنا اتصالاً من شركة وساطة تدعوه للاستثمار في الأسهم الأمريكية ومعها الذهب والعملات.. فالحذر الحذر..

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"