عادي

الحياة اليومية من منظور أكاديمي

00:05 صباحا
قراءة 5 دقائق
1

استطلاع: نجاة الفارس 

مع كل التغيرات التي شهدها المجتمع، خلال الفترة الماضية، من تطور تكنولوجي ومن ثم وباء، أين علم الاجتماع العربي مما يحدث؟، وهل لدينا علم اجتماع قادر على مواكبة تلك التحولات ؟. دعا عدد من المثقفين وأساتذة علم الاجتماع إلى ضرورة إجراء بحوث اجتماعية مبنية على منهج علمي صارم، لا تقتصر فقط على الوصف، بل تستعين بالمناهج الكمية، والتي يتطلب الاعتماد عليها وقتاً أطول وحركية أكثر في الميدان، والاشتغال في إطار مجموعات بحثية لضمان فاعلية أكبر.

وأكدوا في استطلاع ل«الخليج» أهمية وجود تنسيق وتعاون بين النقابات والروابط والجمعيات الاجتماعية العربية وأساتذة الجامعات، خلال اللقاءات الدائمة، والحوار والدراسات والآليات المشتركة على المستوى العربي، والعمل على أن تكون هناك برامج وأنشطة ومناهج وفعاليات متخصصة لكل شريحة من شرائح المجتمع تتوافق وتتناسب مع خصائصها.

أشكال جديدة

 الدكتورة نبيلة مسعودي، أكاديمية في علم الاجتماع، تقول: تعرف مجتمعاتنا العربية، كما باقي المجتمعات البشرية، تغيرات مهمّة على مر العصور، لكن خلال العقود الأخيرة، تسارعت هذه التغيّرات بشكل كبير جدّاً، ولا يفتأ الواقع الاجتماعي يستوعب هذا الكم الهائل من الظواهر الاجتماعية التي تتكاثر وتتشابك، وحتّى مفهوم الواقع الاجتماعي أصبح، في الوقت الراهن، مفهوماً نسبيّاً جدّاً مادامت الأبعاد الأساسية المكونة لهذا الواقع غدت بذاتها نسبية، وقد زاد الأمر تعقيداً التطور التكنولوجي غير المسبوق، وبروز ما يسمّى ب«المجتمعات الافتراضية»، ممّا جعل من دراسة الظواهر الاجتماعية تحدياً كبيراً، نظراً لتواري البعد الجغرافي، كما توارت كثير من العلاقات البشريّة التقليديّة، في المجال الافتراضي، وهذا جعل علم الاجتماع مدعواً إلى تطوير مفاهيمه وطرائق عمله؛ من أجل مواكبة هذه التغيرات الاجتماعية السريعة.

وتضيف: عندما جاء الوباء الذي اجتاح العالم منذ سنة ونيف، صارت مهمة علماء الاجتماع أكثر صعوبة؛ فهذه الجائحة لا تمس فقط الصحة الجسدية للإنسان، بل هي تؤثر أيضاً وبشكل قوي في ما يجعل من الإنسان كائناً اجتماعياً، حيث أصبحنا نتحدث عن الحجر وحظر التجول الكلي أو الجزئي في أماكن كثيرة من العالم، والتباعد الاجتماعي ومحدودية الحركة داخل الفضاءات العامة، والعمل عن بعد، والتعلم عن بعد، والاجتماع عن بعد، وغير ذلك، باختصار صار الواقع الاجتماعي يبتعد عن نفسه، لكن لا ليتوارى، بل ليخلق لنفسه فضاءات آخرى، وأشكالاً اجتماعية أخرى.

وتوضح مسعودي: هذه التغيرات تبدو طارئة وسريعة، لكنّها تُؤثر في أنماط العيش والعادات الاجتماعية التي تشكّل معالم تنظّم إيقاع الحياة داخل المجتمع، مثلاً، تستحدث عادات جديدة وأنماط عيش جديدة، ولو بشكل آني، كاللجوء إلى الاجتماعات الافتراضية وإلى شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها، كل هذا يشكل مادة خصبة وغزيرة للاشتغال على أسئلة مهمة من قبيل: ما مدى تأثير الجائحة على رؤية العالم وتمثله؟ وماذا سيستمر من السلوك الاجتماعي الطارئ؟، وكيف يتعامل الناس مع الأزمات الناجمة عن الوباء كفقدان الوظائف، أو فقدان المعيل للأسرة وغيرها؟، كيف غيّر الحجر العلاقات داخل الأسرة والعلاقات الاجتماعية بشكل عام؟، كيف يتغير تمثّل الجسد، الصحة، المرض، الموت، التضامن؟.. إلخ.

 لقد أصبح علم الاجتماع العربي أمام تحديات جديدة في ما يتعلق بدراسة ومقاربة هذه الظواهر الحديثة ودراسة ما يترتب عنها، وقد أثبتت كثير من الدراسات جدارتها؛ حيث صدرت مؤخراً أبحاث أكاديمية رصينة قام بها مختصون في المجال؛ من أجل تقديم فهم أفضل للواقع الاجتماعي، وتفسير مختلف الظواهر الاجتماعية الحديثة، لكن وبرغم انخراط الكثير من الباحثين الاجتماعيين والأكاديميين في دراسة التغيرات داخل المجتمعات العربية، يبقى من الملاحظ أن وتيرة التغيرات أسرع من وتيرة المواكبة.

تنسيق وتعاون

 الدكتور يوسف محمد شراب، أكاديمي ومستشار منظمة الأسرة العربية، يقول: تتميز الشعوب والمجتمعات بسمة الاختلاف والتغيّر؛ حيث إن الزمن لا يتوقف بتعاقب الأجيال، أبناء اليوم هم آباء غد وأجداد بعد غد، وإن علماء السلوك معنيون بمتابعة كافة المتغيرات بالدراسة والتحليل والتشخيص والعلاج لمظاهر التغيير كافة، وما يصاحب ذلك من اختفاء ظواهر وظهور ظواهر جديدة، وهذا ما أطلق عليه مؤسس علم الاجتماع العلامة ابن خلدون في القرن الرابع عشر الميلادي اسم (علم العمران).

 إن المتتبع لحركة نمو المجتمعات يلاحظ أن هناك ثوابت كالحدود والمساحة، وثوابت أخرى كأعداد السكان وخصائصهم التعليميّة والصحيّة والثقافيّة والمهنيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة من خلال عادات وتقاليد.. وغيرها، ولا شك أن التطور التكنولوجي والتقني والذكاء الاصطناعي وتعدد وسائل التواصل الاجتماعي وانتشار الأجهزة بين كافة الأعمار أدى إلى تغير جذري في السلوكيات من جيل إلى جيل، بل في الجيل الواحد من عام لعام، وفقاً لسرعة التقدم والازدهار العلمي، وهذا التطور يتطلب جهداً أكبر من أهل الاختصاص من علماء السلوك (علماء النفس وعلماء الاجتماع والخدمة الاجتماعية والتربوية...)، ويمكن أن يكون لهذه العلوم دور أكبر حال توفر الإرادة والرغبة ووجود تنسيق وتعاون بين النقابات والروابط والجمعيات الاجتماعية العربية وأساتذة الجامعات خلال اللقاءات الدائمة والحوار والدراسات والآليات المشتركة على المستوى العربي، والعمل على أن تكون هناك برامج وأنشطة ومناهج وفعاليات متخصصة لكل شريحة من شرائح المجتمع تتوافق وتتناسب مع خصائصها (كالطفولة والشباب والمرأة وكبار السن)، ومراعاة الاستفادة القصوى من كافة أفراد المجتمع، وعدم استبعاد القادرين على العطاء من كبار السن والمتقاعدين والمعاقين، والعمل على رعاية ودعم المواهب وصقلها واستقرارها بعد اكتشافها في التعليم والتدريب.

ميادين مختلفة

 الدكتور أحمد عقيلي، ناقد وأكاديمي، يقول: تقوم الحياة الإنسانية على أسس وركائز مجتمعية مهمة، وإن أي تغيّر في هذه الأسس سينعكس بشكل مباشر على طبيعة هذه الحياة، وذلك على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع، واليوم ونحن نعيش في ظل متغيرات حياتية كثيرة لعل من أبرزها النهضة الرقمية والقفزات التكنولوجية الكبيرة، وظهور جائحة «كوفيد-19» وآثارها الخطِرة، وما أفرزته من تغيرات كثيرة في ميادين الحياة المختلفة من وظائف وتعليم وتجارة وسفر، وهو ما يقتضي وجود علم اجتماع قادر على مواجهة هذه التغيرات وطرح الرؤى والحلول المناسبة لها، فهل تحتوي مجتمعاتنا العربية مثل هذا العلم؟ وما مدى فاعليته وتأثيره إن وجد؟.

ارتباط وثيق

 الشاعر ناصر البكر الزعابي، يقول: منذ نشأة علم الاجتماع وتطوير أسسه الحديثة على يد ابن خلدون في مؤلفه الشهير (مقدمة ابن خلدون)؛ أو ما قدّمه الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي أوجست كونت، كان هذا العلم على ارتباطٍ وثيق بكافة التطوّرات الحياتية المختلفة؛ حيث يقوم على دراسة كافة أنماط الحياة والتحوّلات والتغيّرات المجتمعية قديماً وحديثاً.

ولعل الطفرة العلمية والمعرفية الهائلة منذ منتصف القرن العشرين وحتى يومنا هذا، إضافة إلى ثورة التكنولوجيا التي حشرت الوسائل التقليدية في الظل قد حجبت إلى حدٍّ ما جهود علم الاجتماع، وتغافلت عن دوره الحيوي الأساسي، وفي ظل جائحة «كورونا» التي داهمت العالم بأسره، وفرضت على البشرية حالةً جماعية غير مسبوقة من الترقّب والحذر والألم والفقد، فقد طفت على السطح العديد من الظواهر والمظاهر المختلفة، ربما أغفلت بشكلٍ أكبر جهود علم الاجتماع الذي يعتمد في أساسه على الدقّة والتمعّن في تحليل وتفسير التحوّلات والأنماط المجتمعية، لا شك أن هناك زحاماً إخبارياً طغت عليه الجوانب الصحية والمعوّقات الاقتصادية والإحصائيات اليومية، ولم يتمعّن الكثيرون فيما توصّل إليه علم الاجتماع سلباً أو إيجاباً.

ويختم الزعابي بالقول: لا أعتقد أن علم الاجتماع العربي بمعزلٍ عمّا يحدث، فلدينا قامات اجتماعية ومؤلفات ثرية، ونتمنّى تفعيل الجانب الثقافي في إبراز هذه القامات، وقد عانت الثقافة مثل مختلف القطاعات من ضمورٍ قسري منذ بدء الجائحة؛ لذلك لا يمكن أن نشكّك بجهود الباحثين في رصد الثقافة الحياتية اليومية، ونأمل تسليط الضوء على هذه الجهود والقراءات والدراسات، وعرضها عبر المنصات الإعلامية ووسائل النشر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"