مقال مدفوع
المحتوى برعاية:
مستشفى سليمان الحبيب

الوباء الآخر الذي يهدد أطفالنا (ولا يوجد له لقاح)

00:00 صباحا
قراءة 5 دقائق
مستشفى الدكتور سليمان الحبيب

د. ياسر نجم
استشاري طب الأطفال وأمراض الجهاز الهضمي للأطفال – مستشفى الدكتور سليمان الحبيب - دبي

بينما خطا ريان خارج العيادة، تبادلت وسهاد نظرة تعاطف أخرى..السابعة من نوعها في غضون 3 ساعات فقط..
هذا الطفل ضحية جديدة لذلك الوباء...
لم يكن وباء الكوفيد 19 هذه المرة..ولكنه وباءً آخر نجابهه بشكلٍ معتاد هذه الأيام في عيادة تغذية الأطفال الأسبوعية.
ريان طفلً عمره 11 سنة ووزنه 89 كجم. الطفل المتوسط في مثل عمره يزن نصف ذلك الرقم...كأنما ريان ينوء بحمل طفلٍ آخر في مثل سنة طوال الوقت. الطفل المسكين بدأ بالفعل يعاني من العواقب: دهون على الكبد، زيادة في مقاومة الإنسولين، ارتفاع بنسب الكوليسترول، والعديد من الأعراض بدءاً بالإمساك والمغص إلى تغيرات الجلد وصعوبات التنفس بالإضافة لمشاكل بالركبتين.
إذا استمرت مشكلة السمنة لدى ريان لثلاث أو أربع سنوات أخرى، سيصبح عرضةً لأمراض القلب والأوعية الدموية وارتفاع ضغط الدم ومرض السكري.
نشهد اليوم ظاهرة غير مسبوقة من تصاعد احتياج الأطفال في سن المراهقة لجراحات إنقاص الوزن لإنقاذهم من الآثار المدمرة لأسلوب الحياة المعاصر بعاداته غير الصحية.

في دراسة حديثة وجد معظم الآباء أن أبناءهم الذين يعانون من السمنة لديهم صعوبات في التعلم تماثل مشكلة نقص التركيز ومرض التوحد بدأت فقط بعد زيادة أوزانهم بصورة ملحوظة.
أسلوب الحياة غير الصحي وما ينتج عنه من سمنة هو الركن الأساسي للوباء الذي يدمر الأجيال الناشئة. لقد بدأ قبل الكوفيد 19 وسيستمر من بعده. للأسف لن يكون هناك لقاح ضده وهو يؤثر حالياً على 224 مليون طفل حول العالم.
لقد أثبتت دراسة محكمة تم نشرها في سنة 2020 أن 28% من تلاميذ المدارس في الشارقة يعانون من زيادة الوزن. في سنة 2017 كانت النسبة 23% على مستوى دولة الإمارات العربية المتحدة ككل. حوالي ربع هؤلاء التلاميذ غير نشطين فيما يخص الرياضة البدنية. أكثر من نصف الأطفال يستهلكون الأغذية غير الصحية بالإضافة لقضاء ساعات طويلة أمام الشاشات (التلفاز، الهواتف، الأى باد..الخ).
في قمة الخليج العربي والمؤتمر الإقليمي للسمنة سنة 2018، أكد ممثل منظمة الصحة العالمية أن مشكلة سمنة الأطفال بدولة الإمارات العربية المتحدة منتشرة بمعدل الضعف مقارنةً بالمتوسط العالمي.
عندما قابلنا والدي ريان بعيادة تغذية الأطفال، قالت لنا أمه أن ولدها لا يعرف حتى مذاق الخضروات الطازجة مثل الخس والخيار لأنه ببساطة لم يسبق له أن أكلها ولو لمرة واحدة. إنه مغرم بالوجبات الجاهزة السريعة والحلوى. يومه دائماً مشغول برحلات متكررة للثلاجة. عندما حاول والده أن يضمه لفريق كرة القدم المحلي، لم يستطع الطفل المسكين أن يعدو..كانت المحاولة مؤلمة بالنسبة له. لسوء طالعه لا يوجد لدى والديه الوقت المطلوب للإشراف عليه بشكلٍ كافٍ..ومع الحظر بسبب وباء الكورونا ازداد الأمر سوءاً.
سهاد الشوابكة اخصائية التغذية النابهة بعيادتنا سألت والدة ريان:
"ولكن..من يشتري الحلوى والوجبات السريعة الجاهزة له؟"
الإجابات على هذا السؤال تتنوع ولا يجمعها إلا أنها كلها إجابات غير مقنعة. التفسير المنطقي الوحيد هو "غياب الانضباط في سلوكيات الأطفال لسنوات عديدة."
بينما كانت روان ممرضة العيادة ترسل الفحوصات التي طلبناها لريان طلباً لموافقة شركة التأمين على إجرائها، زارتنا المريضة التالية: فاطمة ذات الثلاث سنوات. فاطمة لا تعاني من الوزن الزائد. لقد جاءت بها أمها لأن عادات الأكل لديها اختيارية بشدة. إنها ترفض معظم الأكل الذي تطهوه الأم. قلقاً من سوء التغذية تذعن الأم لرغبات الصغيرة وتفضيلاتها للأغذية اللذيذة عالية السكر والدهون..وهنا مربط الفرس.

أجمعت الأدلة العلمية أن العادات غير الصحية بكل عواقبها المعروفة تبدأ في الطفولة المبكرة. تتسبب البدانة في سن ما قبل المدرسة في تراكم خلايا دهنية إضافية تستمر مع الطفل حتى سن البلوغ. يتبع هذا ازدياد مقاومة الإنسولين. الصغار الذين يصلون لسن المراهقة وهم على درجة من البدانة في الأغلب سيعانون من تلك المشكلة لباقي حياتهم.
قامت دولة الإمارات العربية المتحدة باتخاذ عدة تدابير للتصدي لذلك الوباء اللعين الذي يهدد صحة الأغلى فينا: شباب اليوم والغد.
تم تطبيق الضريبة الانتقائية لأول مرة في أكتوبر 2017، وشهدت المرحلة الأولى 50% ضريبة على المشروبات الغازية والمحلاة ومشروبات الطاقة. في نفس العام، افتتحت دبي برنامج تحدي اللياقة لمدة 30 يوماً سنوياً إذ يتم تحفيز المواطنين والمقيمين بمن فيهم الأطفال على إتمام 30 دقيقة يومياً من النشاط لمدة 30 يوماً..والغرض هو بناء عقليات تركز على اللياقة البدنية. في أبو ظبي وضع فريق العمل المكلف بالتصدي لبدانة الأطفال خطة متكاملة هدفها رفع النشاط البدني بمقدار 15% وإنقاص متوسط مؤشر كتلة الجسد بنسبة 15% في خلال عامٍ واحد.
كمتخصصين نتمنى أن يتم إنجاز المزيد، خصوصاً فيما يتعلق بوسائل الإعلام والدعاية وقوائم الطعام بالمطاعم والأنشطة الاجتماعية.

بعيادتنا الأسبوعية لتغذية الأطفال – التي تُدار مساء كل يوم أحد – نبدأ أنا وسهاد بتشخيص أية أمراض أو اضطرابات طبية قد تكون هي الأصل المتسبب في مشاكل التغذية. بعد ذلك، نجري فحوصات لتقييم مدى الضرر الذي أصاب أجهزة الجسم المختلفة نتيجةً لأسلوب الحياة غير الصحي. نتحدث للصغار، لإعدادهم نفسياً وذهنياً لتقبل التغيير وليس مجرد الاكتفاء بإعطائهم نظاماً غذائياً.
لابد أن يكون التغيير جذرياً، ولكنه يراعي في ذات الوقت التدرج ببطء ومدى تحمل الطفل لذلك التغيير لكي يستمر فيه بشكلٍ مُجدٍ. من الضروري أن يلبي النظام الغذائي أيضاً احتياجات الجسم الناشئ للنمو والتطور.
مع استمرار المتابعة، نمد العائلات بنصائح وحيل ومعلومات وأفكار تساعدهم على التغلب على الصعوبات التي تواجههم كثيراً، بالإضافة لوصفات يتم إرسالها عبر الواتساب والبريد الاليكتروني. في بعض الأحيان، نصف أيضاً أدوية لحالات خاصة تتطلب الدعم الطبي للحد من معاناة المرضى.
إدراك أهل الطفل أن علاج هذا الوباء بأيديهم هم في الأساس وليس بأيدي المعالجين مهم جداً. دورنا هو دعمهم لتحقيق النجاح، والاعتماد عليهم هائل للوصول للنتائج المرجوة.

ما أروع ذلك الشعور الذي يجتاحنا عندما نرى أمثال ريان يدخلون العيادة مرة أخرى بعد أن فقدوا حمل الكيلوجرامات الزائدة!
ولكن هذه المرة نراهم متقدين بالطاقة الإيجابية والنشاط والثقة بالنفس. يكتمل احتفالنا بالنجاح في إنقاذ بذرة جديدة من بذور مستقبل الأجيال القادمة عندما نرى ريان نفسه الأكثر حماساً بيننا جميعاً للاستمرار في معركته من أجل الحفاظ على ما أنجزه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"