من حرق طرابلس؟

00:43 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

هل الجوع هو الذي جعل المتظاهرين يحرقون مبنى بلدية طرابلس في شمال لبنان ومركز الشرطة التابع لها ومبنى حكومياً «السرايا»، والذي جعل أحد المواطنين في طرابلس يتجرأ على مهاجمة عنصر من قوى الأمن بملابسه الرسمية، ومنع عناصر الجيش اللبناني من الدفاع عن المباني الحكومية، والذي حرّض أحد الأشخاص على رمي قنبلة يدوية على قوى الأمن؟ 

 كل هذا حدث نهاية الأسبوع الماضي في مدينة طرابلس، ضمن حالة التوتر الذي تعيشه مناطق لبنانية عديدة، وشغلت تفاصيله وسائل الإعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعي، لكن بقية المناطق اللبنانية لم تشهد ما شهدته طرابلس إلا عندما انطلقت «الثورة» في 17 أكتوبر الماضي، وقام المتظاهرون بحرق عدد من البنوك ومحال تجارية في العاصمة اللبنانية.

 هذا المشهد بات مألوفاً ويتكرر في لبنان وينتقل من منطقة إلى أخرى، ولعل ما يزيده خطورة، ويفتح أبواباً للتحليل والتأويل، ما جاء في بيان صادر عن سعد الحريري المكلف تشكيل حكومة لبنانية جديدة وننقله حرفياً: «الذين أقدموا على إحراق طرابلس مجرمون لا ينتمون للمدينة وأهلها..»، فهل قصد الحريري أن هؤلاء المجرمين ليسوا من أهل المدينة أو أنهم ليسوا لبنانيين في الأصل؟ أما الأمر الذي يوازيه خطورة هو سؤال الحريري: (لماذا وقف الجيش اللبناني متفرجاً على إحراق السرايا والبلدية والمنشآت، ومن سيحمي طرابلس إذا تخلّف الجيش عن حمايتها؟)، وهو اتهام صريح للجيش. أما التصريح الذي لا يقل خطورة، ما جاء على لسان رئيس الوزراء اللبناني الأسبق نجيب ميقاتي: (إذا لم يتمكن الجيش من ضبط الوضع في طرابلس خلال الساعات المقبلة، فنحن ذاهبون إلى الأسوأ، وقد أحمل السلاح لحماية نفسي ومؤسساتي..).

 تصريحات المسؤولين اللبنانيين ترتكز إلى مؤشرات آنية تتمثّل بمندسّين غير لبنانيين في المظاهرات، وعلى ماض سابق شهدته المدينة وأدى إلى مقتل جنود لبنانيين وعناصر متطرفة، آخرها في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، كما ترتكز إلى حدث مشابه أدّى إلى نشوب المعارك في سوريا، عندما ظهرت مجموعة من المسلحين من بين المتظاهرين السلميين، وأطلقوا النار على الجيش السوري الذي ردّ بالرصاص الحي أيضاً، لكن الجيش اللبناني كما يبدو مارس ضبط النفس رداً على رمي قنبلة يدوية عليه.

 وبقليل من البحث، نجد أن مجموعة شاكر العبسي المتطرفة، التي ضمّت فلسطينيين ولبنانيين وسوريين وجنسيات أخرى، حاولت السيطرة على مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين في طرابلس في شهر مايو/أيار 2007، وخاضت حرباً دموية مع الجيش اللبناني أدى إلى استشهاد العشرات من عناصره، والقضاء على مجموعة العبسي الذي تمكّن من الفرار آنذاك، وربط محللون مختصون في الجماعات المتطرفة بين شاكر العبسي وتنظيم القاعدة بقيادة بن لادن في ذلك الوقت.

 وبالعودة إلى الوضع في مدينة طرابلس اللبنانية، نجد أنها مستهدفة من قبل المتطرفين منذ عشرين عاماً تقريباً، وتساعد بيئة المنطقة المحافظة، إضافة إلى عامل الفقر، وغياب مشاريع الدولة التنموية، ناهيك عن مخططات التنظيمات المتطرفة للدخول إلى لبنان من بوابة الشمال. ويبدو أن هناك جهات سياسية نافذة في المدينة تعمل على تكوين جبهة عسكرية مسلحة. ويقودنا البحث هنا إلى أحمد الأسير الذي قاد حركة عصيان في مدينة صيدا في العام 2012، واتُهم بالتحاقه بتنظيم النصرة المتشدد.

 هذه الأحداث لا تنفصل عمّا يجري في مدينة طرابلس، بل إن ما يحدث الآن قد يكون أخطر، نظراً للفراغ الأمني والسياسي، وهو ما جعل نجيب ميقاتي يمهل الدولة 48 ساعة للسيطرة على الوضع، وإلا سوف يحمي نفسه بنفسه، أي أن الوضع مهيأ للانفجار خلال مدة زمنية بسيطة إذا لم تتدخل الدولة، ما يعني أن الجوع ليس هو السبب الجوهري، بل تمتطيه بعض الجهات للوصول إلى غاياتها للعب دور محلي أو إقليمي، خاصة أن تنظيم داعش بدأ يعيد تجميع فلوله، ولبنان أرض خصبة لوجوده.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"