تمديد «ستارت ـ 3»

00:43 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبد الحسين شعبان

كان برنارد باروخ مستشار الرئيس الأمريكي هاري ترومان أول من استخدم مصطلح «الحرب الباردة» في 16 إبريل (نيسان) عام 1947، التي تعني المجابهة العالمية الجيوسياسية والاقتصادية والإيديولوجية بما فيها الحرب النفسية ووسائل القوة الناعمة الإعلامية والثقافية والرياضية ضد الاتحاد السوفييتي السابق، وبعده جاء خطاب ونستون تشرشل الذي ألقاه في مدينة فولتن بولاية ميسوري الأمريكية، ومع أنه لم يكن حينها رئيساً لوزراء بريطانيا، لكن فكرته سرت مثل النار بالهشيم حين طرح تشكيل حلف عسكري للدول الأنجلوساكسونية بهدف «مكافحة الشيوعية»، وكان ذلك ترسيخاً لفكرة الحرب الباردة، حيثُ تأسس حلف الناتو في العام 1949 وبالمقابل أُنشئ حلف وارسو في العام 1955 من جانب الاتحاد السوفييتي وحلفائه.

 وقد دامت الحرب الباردة والصراع الإيديولوجي طوال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى نهاية الثمانينات، وشهدت سباقاً محموماً للتسلح على الرغم من محاولات الطرفين البحث عن فرص لتخفيض ترسانة الأسلحة عبر معاهدات واتفاقيات دولية جماعية أو ثنائية دون أن تخلو من عقباتٍ وكوابح تعكّر صفو علاقات «التعايش السلمي» وتزيد من سباق المنافسة التسليحية والتي كان آخرها ما عُرف ب «مشروع حرب النجوم» الذي خصصت له واشنطن تريليوني دولار، وكان ذلك أحد أسباب فشل الاتحاد السوفييتي وتفكّكه في تلك المنافسة غير المتكافئة التي جرّته إليها الولايات المتحدة، خصوصاً في عهد الرئيس ريجان، إضافة إلى أسباب اقتصادية وسياسية واجتماعية وغيرها.

 خلال شهر فبراير (شباط) الجاري ينتهي مفعول اتفاقية ستارت - 3 التي تمّ التوقيع عليها في 18 إبريل (نيسان) 2010 بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما والرئيس الروسي السابق ديمتري مدفيديف، وقد تم الاتفاق على تمديدها قبل انتهاء مفعولها، علماً بأن إدارة ترامب كانت قد طلبت من الصين الانضمام إلى المفاوضات بشأن المعاهدة إلا أن الأخيرة رفضت، إذ إن ما لديها لا يقارن من حيث الحجم بالترسانتين الأمريكية والروسية، حيث تمتلكان نحو 93 % من القنابل النووية في العالم. لذا تم تمديد المعاهدة لأن الطرفين يدركان أن من شأن عدم التمديد، رفع جميع القيود المتبقية على نشر رؤوس حربية نووية، وكذلك الصواريخ والقاذفات القادرة على حملها، ما سيؤدي إلى تأجيج سباق التسلح، ويزيد من حدّة التوتر ويعيد الأجواء إلى مناخ الحرب الباردة.

بايدن الذي كان نائباً للرئيس أوباما حين تم التوقيع على ستارت - 3 يعتبر روسيا العدو الرئيسي والأول للولايات المتحدة، أما الصين فيعتبرها منافساً وليس عدواً، الأمر الذي قد يجعل العلاقات الروسية - الأمريكية تعيش أوقاتاً صعبة، على الرغم من توفّر الفرصة لتمديد اتفاقية نيوستارت - 3، وكان قد عبّر عن نيّته في تمديد المعاهدة خلال حملته الانتخابية.

تعتبر ستارت - 3، واحدة من 9 اتفاقيات نووية وقّعتها موسكو مع واشنطن خلال العقود الماضية ويعود تاريخها إلى ستينات القرن الماضي، ومن أهمها معاهدة منع التجارب النووية وهي معاهدة متعددة الأطراف تمّ التوقيع عليها العام 1963 وما تزال سارية المفعول، إضافة إلى معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية لعام 1963 وهي معاهدة متعدّدة الأطراف تم تمديدها في العام 1995 وهي مفتوحةٌ وغير محدّدة بزمن.

ومن المعاهدات الثنائية بين البلدين معاهدة سالت - 1 وABM وسالت - 2، الأولى تم التوقيع عليها في العام 1972 لغرض تجميد عدد قاذفات الصواريخ الباليستية العابرة للقارات بين البلدين (لمدة 5 سنوات) في حين أن الثانية منعت إنشاء درع مضاد للصواريخ، أما الثالثة (سالت - 2) فقد تم التوقيع عليها العام 1979 بشأن الأسلحة النووية، لكنها لم تدخل حيّز التنفيذ، إضافة إلى معاهدة الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى التي تمّ التوقيع عليها في العام 1987 بين دونالد ريجان وميخائيل جورباتشوف، وهي المعاهدة التي انسحب منها دونالد ترامب في فبراير (شباط) 2019. وتكمن أهمية ستارت - 3 بتحديد عدد الرؤوس النووية ب 1550 رأساً، وهي خاصة بالأسلحة الهجومية، وقد أبدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استعداد بلاده لتمديد المعاهدة، كما أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس أهمية تمديد ستارت - 3، وذلك خدمة للسلم والأمن الدوليين.

وسيؤدي تمديد المعاهدة إلى تفعيل نظام الرقابة النووية وتخفيف حدّة التوتر في أوروبا وآسيا ومنطقة المحيط الهادي وإقامة نظام مؤتمن في مجال التكنولوجيات، بما يطمئن واشنطن من التزام موسكو بأحكام المعاهدة، ويطمئن موسكو من حساسيتها بنصب صواريخ نووية في بولونيا وأوكرانيا وتشيكيا وعلى حدود روسيا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أكاديمي ومفكر وكاتب عراقي، وهو نائب رئيس جامعة اللاّعنف وحقوق الإنسان (أونور) في بيروت. له مساهمات متميّزة في إطار التجديد والتنوير والحداثة والثقافة والنقد. يهتم بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني والأديان، والدساتير والقوانين الدولية والنزاعات والحروب. صاحب نحو 70 كتاباً ومؤلفاً.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"