دعم جهود السودان في الإصلاح الاقتصادي

20:34 مساء
قراءة 4 دقائق

عدنان أحمد يوسف*

بعد التغييرات السياسية التي شهدتها البلاد منذ نحو عامين، انطلقت جهود وطنية مخلصة لتخليص البلاد من كل تبعات الماضي وذلك بدعم عربي ودولي واضح
السودان، هذا البلد الشقيق والقريب إلى قلبي، والذي تعود علاقة المودة وبنفس الوقت علاقة العمل معه إلى ما يزيد على أربعين عاماً، وما يدفعني لهذا الحديث هو لقائي مع الدكتورة هبة محمد علي وزيرة المالية برفقة الأخ العزيز إبراهيم محمد سفير السودان في مملكة البحرين أثناء زيارتها قبل أيام، والأحاديث الودية التي دارت خلال اللقاء في مختلف شؤون جهود الإصلاح الاقتصادي الراهنة في السودان.
وجميعنا على اطلاع على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعيشها السودان الشقيق، وهي أوضاع تراكمت عبر سنين طويلة ناجمة عن سوء إدارة الموارد الطبيعية الهائلة التي يمتلكها، علاوة بالطبع على العقوبات الأمريكية ووضع اسم السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب.
لكن، بعد التغييرات السياسية التي شهدتها البلاد منذ نحو عامين، انطلقت جهود وطنية مخلصة لتخليص البلاد من كل تبعات الماضي وذلك بدعم عربي ودولي واضحين، سوف يسهم بقوة في تحقيق أهدافه، كما أن رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، سوف يسمح لها بالعودة للمجتمع الدولي والاستفادة من المعونات والتمويلات الميسرة، والتعامل عبر الأسواق المالية العالمية، وعمليات التصدير والاستيراد والاستثمار عبر النظام المالي العالمي الرسمي. نحن ندرك تماماً أيضاً أن المرحلة التي يمر بها الاقتصاد السوداني، أي مرحلة إعادة هيكلته وإدخال الإصلاحات المطلوبة تولد ضغوطاً أكبر على الفئات ذات الدخل الضعيف والمتوسط، لأنها تؤدي في المدى القصير إلى ارتفاع الأسعار وارتفاع معدلات التضخم وانخفاض قيمة العملة وشح المواد في الأسواق وغيرها من النتائج التي تستمر لفترة من الزمن لحين إعادة التوازن للاقتصاد. ولذلك، عادة ما تحرص الحكومات، كما لاحظنا في تجربة الحكومة المصرية الناجحة في إعادة هيكلة الاقتصاد، على التوسع في تنفيذ برامج الحماية الاجتماعية وشمولها لفئات أوسع بالتزامن مع تنفيذ إجراءات الإصلاح الاقتصادي، وهو أمر ضروري للغاية.
وقد صادق صندوق النقد الدولي قبل عدة شهور على برنامج لإصلاح الاقتصاد السوداني، وهو مطلب رئيسي لتخفيف الديون. وسوف يدعم البرنامج الإصلاحات الحكومية المحلية لمدة 12 شهراً، بهدف استقرار الاقتصاد وتحسين القدرة التنافسية وتعزيز الحوكمة. كما سوف تجري الحكومة السودانية خلال الفترة المقبلة محادثات مع نادي باريس بهدف إعادة جدولة أو إلغاء الديون المتراكمة على السودان.
وإذا ما تم تدريجياً تنفيذ حزمة الإصلاحات مع توسيع شبكة الأمان الاجتماعي، ونجح السودان في إلغاء الديون المتراكمة في محادثاته مع نادي باريس، فإننا نرى أن هذا البلد يمتلك من الثروات ما يؤهله لتبوء مكانة اقتصادية عربية وقارية وعالمية كبيرة من خلال ما يمتلكه من مقومات زراعية هي الأكبر في المنطقة العربية، بواقع 175 مليون فدان صالحة للزراعة، بجانب مساحة غابية تقدر بحوالي 52 مليون فدان (الفدان يعادل 4200 متر مربع). وفي الشق الحيواني، يتمتع السودان ب 102 مليون رأس من الماشية، متحركة في مراع طبيعية، تُقدر مساحتها ب 118 مليون فدان، فضلاً عن معدل أمطار سنوي يزيد على أربعمئة مليار متر مكعب. وتقدر الأراضي الزراعية المستغلة في السودان حالياً بنحو 45% من جملة المساحات المتاحة للزراعة. كما بلغ إنتاج الذهب العام الماضي 105 أطنان، وشكل التعدين الأهلي منه 80%، وفق إحصائيات حكومية.
ومن أجل مواصلة الحصول على الدعم المالي والإنمائي العربي والعالمي، فإن الحكومة السودانية مدعوة، علاوة على إصلاح الاقتصاد، إلى توفير بيئة جاذبة للاستثمار العربي والدولي، وإزالة العقبات والقيود التي كانت تحول دون ذلك سواء فيما يخص التضخم وصعوبات التحويلات الأجنبية واستقرار العملة والروتين الحكومي وضعف البنية التحتية وغيرها. كما أنها مدعوة للتسويق بشكل حديث لفرص الاستثمار والصادرات السودانية. وهي تمتلك نخبة كبيرة من المنتجات عالية الجودة، ولكن ما تحتاج إليه هو التسويق بأساليبه الحديثة.
كذلك، فإن شفافية الإصلاحات والإجراءات المتخذة وتوفير بيانات وأرقام واضحة وحديثة وذات مصداقية للمؤسسات الدولية والمستثمرين سوف يساعد كثيراً في هذا المجال. وعادة من تلجأ الحكومات والشركات الكبرى المحلية لوكالات التصنيف العالمية والتعاون معها لإصدار تصنيفات ائتمانية تساعد الممولين والمستثمرين على اتخاذ قراراتهم.
وعلى صعيد البنوك السودانية، فإنني ولله الحمد أمتلك علاقات وطيدة مع هذه البنوك والبنك المركزي السوداني منذ عملي في المؤسسة العربية المصرفية، وتوسعت بشكل أكبر خلال السبع عشرة السنة الماضية من خلال ترأسي مجلس إدارة بنك البركة السودان. لذلك، فإنني أعتبر أن إصلاح القطاع المصرفي هو مدخل رئيسي للإصلاحات الاقتصادية.
وإنني أدعو هنا اتحاد المصارف العربية لاستضافة منتدى تشارك فيه البنوك العربية مع البنوك السودانية لبحث توفير الدعم لهذه البنوك .
* رئيس اتحاد المصارف العربية سابقاً ورئيس جمعية مصارف البحرين

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

رئيس جمعية مصارف البحرين، رئيس اتحاد المصارف العربية سابقاً

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"