هواجس حول المصالحة الفلسطينية

00:40 صباحا
قراءة 4 دقائق

د.فايز رشيد

ليس بالضرورة أن يعني إجراء الانتخابات نهاية الانقسام، ولكنه قد يشكل بداية لعمل شاق لبدء حل نقاط الخلاف

أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي، مراسيم تنظيم انتخابات للمجلس التشريعي نهاية مايو/ أيار، والرئاسية في نهاية يوليو/ تموز، على أن يتم استكمال تشكيل المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية في نهاية أغسطس/ آب. وفي هذا السياق، فقد دعا سليم الزعنون رئيس المجلس الوطني إلى عقد جلسة للمجلس في رام الله. كما صرّح حنا ناصر رئيس «لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية» بأن «جميع الفصائل اتفقت على إجراء الانتخابات، وستعقد اجتماعاً في القاهرة لبحث بعض التفاصيل الضرورية المتعلقة الانتخابات». وأكد أن الانتخابات ستجري على قاعدة «النسبية والقائمة». وبالطبع، لن تشمل الفلسطينيين في الشتات. 
 لذلك، فإن لقاء القاهرة المزمع عقده قريباً، قد يُظهِر العديد من الخلافات، بينما يعلّق أبناء شعبنا آمالاً عريضة على إتمام العملية الانتخابية كوسيلة لإعادة بناء الوحدة الوطنية التي لطالما نادى بضرورة تحقيقها فعلاً، لا قولاً. كلّ ذلك وسط شكوك تكتنف أهلية الاستحقاق الديمقراطي المنشود عند إجرائه لإنهاء الانقسام، وليس تعميقه، بوصفه مخرجاً مؤقتاً للمأزق الفلسطيني الراهن، وليس نهجاً استراتيجياً يأتي عقب تحقيق المصالحة، لا قبلها.
 وتذهب الفصائل الفلسطينية إلى طاولة الحوار الشامل، وهي مُثقلة بتركة تحديات كثيرة وكبيرة من تلك التي راكمتها خلافات حركتي «فتح»، و«حماس» على مدى سنوات طويلة، ولم تجد للأسف حسماً حتى اللحظة، بعدما توقفت لقاءات الطرفين عند حدود التوافق على إجراء الانتخابات من دون بحث التفاصيل الخلافية الأخرى، كأن الانتخابات ستشكّل حلّاً سحرياً لكل الإشكاليات العالقة بين الطرفين، والتي ظلت معلّقة إلى زمن طويل. لذا، قد تجد قضايا الخلاف الثنائي طريقها في حوار القاهرة، ويتصل بذلك مطلب تهيئة المناخ المناسب لإجراء الانتخابات وفق قيم الديمقراطية والشفافية والمساواة وضمان الحريات الأساسية، كما التوافق حول علاقة المجلسين «الوطني» و«التشريعي»، ما بين التوحيد أو استمرار الفصل بينهما، إضافة إلى الخلافات حول آليات النظام الانتخابي، ومسألة إشراف اللجنة المعنية على إجراء الانتخابات ضمن قطاع غزة والضفة الغربية. وما لم تحلّ «فتح» و«حماس» وبقية الفصائل تلك القضايا الخلافية، فإنها ستجد نفسها تدور في الحلقة المفرغة نفسها.
 قد لا تنجح كثيراً محاولات تذليل العقبات حول مسألة تخلي حركة حماس عن شرط تزامن إجراء الانتخابات وليس تتابعها، الذي كانت تصرّ عليه قبلاً، أو تأكيد فتح حرصها على تحقيق الوحدة الوطنية، طالما بقيت جذور الخلاف موجودة، التي أذنت سابقاً بالزّج في نفق الانقسام بعد فترة قصيرة من إجراء الانتخابات التشريعية آخر مرة في عام 2006، والتي فازت فيها حماس بالأغلبية.
 لذا، ليس بالضرورة أن يعني إجراء الانتخابات نهاية الانقسام، ولكنه قد يشكل بداية لعمل شاق لبدء حلّ نقاط الخلاف بين الحركتين، مثلما يتطلب اتباع الخطوة بإجراءات ملموسة أخرى في الطريق نحو الوحدة الوطنية، مثل تشكيل «حكومة وحدة وطنية»، وتحقيق التوافق الوطني الشامل في مواجهة التحديات الكبيرة المحدقة بالقضية الفلسطينية، وإجراء مشاورات وطنية حول كيفية بناء حوار فلسطيني شامل لإنجاح الانتخابات، إضافة إلى الاتفاق على ترتيب الوضع الداخلي الفلسطيني، المتوجّب أن يحتل مكاناً بارزاً ليس بين الحركتين المعنيتين فقط، وإنما بين كل الفصائل الفلسطينية بشكل عام. هذه القضايا تشكّل تحديات كبيرة في الساحة الفلسطينية، وللأسف حتى اللحظة لم يجرِ العمل على حلّها. لذا، تلوح عقبات كبيرة في أفق المشهد السياسي الفلسطيني ضمن مرحلة ما بعد الانتخابات، مثل طبيعة الحكومة الجديدة، وما إذا كانت حكومة وحدة وطنية أم تكنوقراط، أم فصائلية، إلى جانب التحديات المحيطة الأخرى التي تسعى دائماً لوضع العراقيل أمام بناء النظام السياسي الفلسطيني الجديد.
 ترتبط بذلك أيضا أسئلة هي الأخرى تشكّل تحديات إضافية، مثل تمكين الحكومة الجديدة من أداء مهامها في قطاع غزة بكل الحريّة والوضوح ومن دون أية عراقيل، فالتجربة السابقة لا تشكّل تفاؤلاً بتحويل هذه الإمكانية إلى واقع ملموس. إذ لا تزال الخلافات بين فتح وحماس قائمة حول البرنامج السياسي، وتفعيل منظمة التحرير، كما توحيد الأجهزة الأمنية وغيرها. لهذا، فإن قضايا كثيرة تلقي بظلالها القاتمة على أفق المصالحة الحقيقية بالمعنى العملي الملموس، وليس في الجانب النظري. كلّ هذا يجري في ظل ضعف الإرادة السياسية لحلّ الخلافات القائمة بين الحركتين، إضافة بالطبع إلى تأثير المتغيرات الخارجية في ثنايا الانقسام، ومثلما رأينا في تجارب سابقة، لم تسهم وثيقة المبادئ والسياسات العامة الرسمية لحركة حماس، التي أعلنتها في مايو/ أيار 2017 بالدوحة، في تشكيل الأرضية السياسية المناسبة لتذليل العقبات أمام تحقيق المصالحة مع حركة فتح، رغم غلبة اللغة السياسية الأقل تشدداً على خطابها العقيدي الأيديولوجي، مع الحفاظ على الثوابت المحتكمة إلى محددات المرجعية الإسلامية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب وباحث في الشؤون الاستراتيجية، وهو من الخبراء في الصراع الفلسطيني العربي-"الإسرائيلي". إضافة إلى أنه روائي وكاتب قصة قصيرة يمتلك 34 مؤلفاً مطبوعاً في السياسة والرواية والقصة القصيرة والشعر وأدب الرحلة. والمفارقة أنه طبيب يزاول مهنته إلى يومنا هذا

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"